للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَصْبِرْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» )

وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْكُحْلَ مِنْ أَبْلَغِ الزِّينَةِ فَهُوَ كَالطِّيبِ، أَوْ أَشَدَّ مِنْهُ.، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لِلسَّوْدَاءِ أَنْ تَكْتَحِلَ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْمَعْنَى، وَأَحْكَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ السُّودِ وَالْبِيضِ كَمَا لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ الطِّوَالِ وَالْقِصَارِ، وَمِثْلُ هَذَا الْقِيَاسِ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ الَّذِي اشْتَدَّ نَكِيرُ السَّلَفِ لَهُ وَذَمُّهُمْ إِيَّاهُ.

وَأَمَّا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كمالك، وأحمد، وأبي حنيفة، وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ فَقَالُوا: إِنِ اضْطُرَّتْ إِلَى الْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ تَدَاوَيًا لَا زِينَةً فَلَهَا أَنْ تَكْتَحِلَ بِهِ لَيْلًا وَتَمْسَحَهُ نَهَارًا، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ أم سلمة الْمُتَقَدِّمُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّهَا قَالَتْ فِي كُحْلِ الْجَلَاءِ: ( «لَا تَكْتَحِلُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ يَشْتَدُّ عَلَيْكِ فَتَكْتَحِلِينَ بِاللَّيْلِ وَتَغْسِلِينَهُ بِالنَّهَارِ» )

وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْآخَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَيْهَا صَبْرًا فَقَالَ ( «مَا هَذَا يَا أم سلمة؟ فَقُلْتُ: صَبْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ فَقَالَ: إِنَّهُ يُشِبُّ الْوَجْهَ فَقَالَ: " لَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ وَتَنْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ» ) وَهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَرَّقَهُ الرُّوَاةُ، وَأَدْخَلَ مالك هَذَا الْقَدْرَ مِنْهُ فِي " مُوَطَّئِهِ " بَلَاغًا، وَذَكَرَ أبو عمر فِي " التَّمْهِيدِ " لَهُ طُرُقًا يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَكْفِي احْتِجَاجُ مالك بِهِ، وَأَدْخَلَهُ أَهْلُ السُّنَنِ فِي كُتُبِهِمْ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ، وَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا، وَلَكِنْ حَدِيثُهَا هَذَا مُخَالِفٌ فِي الظَّاهِرِ لِحَدِيثِهَا الْمُسْنَدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا تَكْتَحِلُ بِحَالٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُشْتَكِيَةِ عَيْنَهَا فِي الْكُحْلِ لَا لَيْلًا، وَلَا نَهَارًا، وَلَا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَلَا غَيْرِهَا، وَقَالَ " لَا " مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا أَنْ تُضْطَرَّ.

وَقَدْ ذَكَرَ مالك، عَنْ نافع ( «، عَنْ صفية ابنة عبيد أَنَّهَا اشْتَكَتْ عَيْنَهَا وَهِيَ حَادٌّ عَلَى زَوْجِهَا عبد الله بن عمر فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَصَانِ» )

<<  <  ج: ص:  >  >>