الْحَيْضَةُ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ رَحِمِهَا، فَلَوْ كَانَ الْحَيْضُ يُجَامِعُ الْحَمْلَ، لَمَا كَانَتِ الْحَيْضَةُ عَلَمًا عَلَى عَدَمِهِ، قَالُوا: وَلِذَلِكَ جَعَلَ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ؛ لِيَكُونَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ حَمْلِهَا، فَلَوْ جَامَعَ الْحَمْلُ الْحَيْضَ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِهِ. قَالُوا: وَقَدْ ثَبَتَ فِي (الصَّحِيحِ) ، ( «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ طَلَّقَ ابْنُهُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» ))
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ، أَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ فِي زَمَنِ الدَّمِ وَغَيْرِهِ إِجْمَاعًا، فَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ لَكَانَ طَلَاقُهَا فِيهِ، وَفِي طُهْرِهَا بَعْدَ الْمَسِيسِ بِدْعَةً عَمَلًا بِعُمُومِ الْخَبَرِ، قَالُوا: وَرَوَى مسلم فِي (صَحِيحِهِ) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا: ( «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» ) ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ لَا يَكُونُ حَيْضًا، فَإِنَّهُ جَعَلَ الطَّلَاقَ فِي وَقْتِهِ نَظِيرَ الطَّلَاقِ فِي وَقْتِ الطُّهْرِ سَوَاءً.
فَلَوْ كَانَ مَا تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ حَيْضًا، لَكَانَ لَهَا حَالَانِ، حَالُ طُهْرٍ، وَحَالُ حَيْضٍ، وَلَمْ يَجُزْ طَلَاقُهَا فِي حَالِ حَيْضِهَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِدْعَةً قَالُوا: وَقَدْ رَوَى أحمد فِي (مُسْنَدِهِ) مِنْ حَدِيثِ رويفع، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَلَا يَقَعُ عَلَى أَمَةٍ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا» )
فَجَعَلَ وُجُودَ الْحَيْضِ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنَ الْحَمْلِ. قَالُوا: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ علي أَنَّهُ قَالَ: ( «إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ الْحَيْضَ عَنِ الْحُبْلَى، وَجَعَلَ الدَّمَ مِمَّا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ» ) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ( «إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ الْحَيْضَ عَنِ الْحُبْلَى، وَجَعَلَ الدَّمَ رِزْقًا لِلْوَلَدِ» ) . رَوَاهُمَا أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute