للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: وَرَوَى الأثرم، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا، ( «عَنْ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ، فَقَالَتْ: الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ، وَتَغْتَسِلُ، وَتُصَلِّي.» )

وَقَوْلُهَا: وَتَغْتَسِلُ، بِطَرِيقِ النَّدْبِ لِكَوْنِهَا مُسْتَحَاضَةً، قَالُوا: وَلَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُمْ، لَكِنَّ عائشة قَدْ ثَبَتَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: الْحَامِلُ لَا تُصَلِّي. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَرَاهُ قَرِيبًا مِنَ الْوِلَادَةِ بِالْيَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَنَّهُ نِفَاسٌ جَمْعًا بَيْنَ قَوْلَيْهَا، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ دَمٌ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، فَلَمْ يَكُنْ حَيْضًا كَالِاسْتِحَاضَةِ.

وَحَدِيثُ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ قَدْ تَحْبَلُ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ، لَكِنَّهُ يَقْطَعُ حَيْضَهَا وَيَرْفَعُهُ. قَالُوا: وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَجْرَى الْعَادَةَ بِانْقِلَابِ دَمِ الطَّمْثِ لَبَنًا غِذَاءً لِلْوَلَدِ، فَالْخَارِجُ وَقْتَ الْحَمْلِ يَكُونُ غَيْرَهُ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ.

قَالَ الْمُحَيِّضُونَ: لَا نِزَاعَ أَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَرَى الدَّمَ عَلَى عَادَتِهَا، لَا سِيَّمَا فِي أَوَّلِ حَمْلِهَا، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي حُكْمِ هَذَا الدَّمِ لَا فِي وُجُودِهِ. وَقَدْ كَانَ حَيْضًا قَبْلَ الْحَمْلِ بِالِاتِّفَاقِ، فَنَحْنُ نَسْتَصْحِبُ حُكْمَهُ حَتَّى يَأْتِيَ مَا يَرْفَعُهُ بِيَقِينٍ.

قَالُوا: وَالْحُكْمُ إِذَا ثَبَتَ فِي مَحَلٍّ، فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ حَتَّى يَأْتِيَ مَا يَرْفَعُهُ، فَالْأَوَّلُ اسْتِصْحَابٌ لِحُكْمِ الْإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَالثَّانِي اسْتِصْحَابٌ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي الْمَحَلِّ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَا يَرْفَعُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ.

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» ) . وَهَذَا أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَكَانَ حَيْضًا.

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «أَلَيْسَتْ إِحْدَاكُنَّ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تَصُمْ وَلَمْ تُصَلِّ؟» ) . وَحَيْضُ الْمَرْأَةِ خُرُوجُ دَمِهَا فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ مِنَ الشَّهْرِ لُغَةً وَشَرْعًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>