وَهَذَا كَذَلِكَ لُغَةً، وَالْأَصْلُ فِي الْأَسْمَاءِ تَقْرِيرُهَا لَا تَغْيِيرُهَا.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الدَّمَ الْخَارِجَ مِنَ الْفَرْجِ الَّذِي رَتَّبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ قِسْمَانِ: حَيْضٌ وَاسْتِحَاضَةٌ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمَا ثَالِثًا، وَهَذَا لَيْسَ بِاسْتِحَاضَةٍ، فَإِنَّ الِاسْتِحَاضَةَ الدَّمُ الْمُطْبِقُ، وَالزَّائِدُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، أَوِ الْخَارِجُ عَنِ الْعَادَةِ، وَهَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ اسْتِحَاضَةً، فَهُوَ حَيْضٌ، قَالُوا: وَلَا يُمْكِنُكُمْ إِثْبَاتُ قِسْمٍ ثَالِثٍ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَجَعْلُهُ دَمَ فَسَادٍ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ دَلِيلٍ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ.
قَالُوا: وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْتَحَاضَةَ إِلَى عَادَتِهَا، وَقَالَ: ( «اجْلِسِي قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ» ) .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَادَةَ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي وَصْفِ الدَّمِ وَحُكْمِهِ، فَإِذَا جَرَى دَمُ الْحَامِلِ عَلَى عَادَتِهَا الْمُعْتَادَةِ، وَوَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا انْتِقَالٍ، دَلَّتْ عَادَتُهَا عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ، وَوَجَبَ تَحْكِيمُ عَادَتِهَا، وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْفَسَادِ الْخَارِجِ عَنِ الْعِبَادَةِ.
قَالُوا: وَأَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَعْلَمُهُنَّ عائشة، وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَنَّهَا لَا تُصَلِّي، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ أَصَحُّ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهَا، وَلِذَلِكَ رَجَعَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالُوا: وَلَا تُعْرَفُ صِحَّةُ الْآثَارِ بِخِلَافِ ذَلِكَ عَمَّنْ ذَكَرْتُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ صَحَّتْ فَهِيَ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا دَلِيلَ يَفْصِلُ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ عَدَمَ مُجَامَعَةِ الْحَيْضِ لِلْحَمْلِ، إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ بِالْحِسِّ أَوْ بِالشَّرْعِ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَلَيْسَ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ جَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنَ الْحَمْلِ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ.
قُلْنَا: جُعِلَ دَلِيلًا ظَاهِرًا أَوْ قَطْعِيًّا الْأَوَّلُ: صَحِيحٌ. وَالثَّانِي: بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ دَلِيلًا قَطْعِيًّا لَمَا تَخَلَّفَ عَنْهُ مَدْلُولُهُ، وَلَكَانَتْ أَوَّلُ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ حِينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute