للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، بَلْ أَوَّلُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ، وَلَوْ حَاضَتْ بَعْدَهُ عِدَّةَ حِيَضٍ، فَلَوْ وَطِئَهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ، وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ حِينِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، لَحِقَهُ النَّسَبُ اتِّفَاقًا، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ، قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهَا مَدْلُولُهَا تَخَلُّفَ الْمَطَرِ عَنِ الْغَيْمِ الرَّطْبِ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ مِنَ السُّنَّةِ، فَإِنَّا بِهَا قَائِلُونَ، وَإِلَى حُكْمِهَا صَائِرُونَ، وَهِيَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ.

وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ النِّسَاءَ إِلَى قِسْمَيْنِ: حَامِلٌ فَعِدَّتُهَا وَضْعُ حَمْلِهَا، وَحَائِلٌ فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِمُوجَبِ هَذَا غَيْرُ مُنَازِعِينَ فِيهِ، وَلَكِنْ أَيْنَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ مِنَ الدَّمِ عَلَى عَادَتِهَا تَصُومُ مَعَهُ وَتُصَلِّي؟ هَذَا أَمْرٌ آخَرُ لَا تَعَرُّضَ لِلْحَدِيثِ بِهِ، وَهَذَا يَقُولُ الْقَائِلُونَ: بِأَنَّ دَمَهَا دَمُ حَيْضٍ، هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِعَيْنِهَا، وَلَا يُعَدُّ هَذَا تَنَاقُضًا وَلَا خَلَلًا فِي الْعِبَارَةِ.

قَالُوا: وَهَكَذَا قَوْلُهُ فِي شَأْنِ عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ( «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا» ) ، إِنَّمَا فِيهِ إِبَاحَةُ الطَّلَاقِ إِذَا كَانَتْ حَائِلًا بِشَرْطَيْنِ: الطُّهْرِ وَعَدَمِ الْمَسِيسِ، فَأَيْنَ فِي هَذَا التَّعَرُّضُ لِحُكْمِ الدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ عَلَى حَمْلِهَا؟ وَقَوْلُكُمْ إِنَّ الْحَامِلَ لَوْ كَانَتْ تَحِيضُ لَكَانَ طَلَاقُهَا فِي زَمَنِ الدَّمِ بِدْعَةً، وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ وَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ؟ .

قُلْنَا: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ أَحْوَالَ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُرِيدُ طَلَاقَهَا إِلَى حَالِ حَمْلٍ، وَحَالِ خُلُوٍّ عَنْهُ، وَجَوَّزَ طَلَاقَ الْحَامِلِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَاتِ الْحَمْلِ، فَإِنَّمَا أَبَاحَ طَلَاقَهَا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ دَمُ فَسَادٍ، بَلْ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تُخَالِفُ غَيْرَهَا فِي الطَّلَاقِ، وَأَنَّ غَيْرَهَا إِنَّمَا تُطَلَّقُ طَاهِرًا غَيْرَ مُصَابَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَامِلِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، بَلْ تُطَلَّقُ عَقِيبَ الْإِصَابَةِ، وَتُطَلَّقُ وَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ، فَكَمَا لَا يَحْرُمُ طَلَاقُهَا عَقِيبَ إِصَابَتِهَا، لَا يَحْرُمُ حَالَ حَيْضِهَا.

وَهَذَا الَّذِي تَقْتَضِيهِ حِكْمَةُ الشَّارِعِ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ إِذْنًا وَمَنْعًا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى اسْتَبَانَ حَمْلُهَا كَانَ الْمُطَلِّقُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ مِنَ النَّدَمِ مَا يَعْرِضُ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ بَعْدَ الْجِمَاعِ، وَلَا يَشْعُرُ بِحَمْلِهَا، فَلَيْسَ مَا مُنِعَ مِنْهُ نَظِيرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>