مَا أُذِنَ فِيهِ، لَا شَرْعًا، وَلَا وَاقِعًا، وَلَا اعْتِبَارًا، وَلَا سِيَّمَا مِنْ عِلَلِ الْمَنْعِ مِنَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، فَهَذَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحَامِلِ.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيْضًا؛ لَانْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ، فَهَذَا لَا يَلْزَمُ، لَأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - جَعَلَ عِدَّةَ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَعِدَّةَ الْحَائِلِ بِالْأَقْرَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ عِدَّةِ الْحَامِلِ بِالْأَقْرَاءِ لِإِفْضَاءِ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَمْلِكَهَا الثَّانِي وَيَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ.
قَالُوا: وَإِذَا كُنْتُمْ سَلَّمْتُمْ لَنَا أَنَّ الْحَائِضَ قَدْ تَحْبَلُ، وَحَمَلْتُمْ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثَ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَا يُمْكِنُكُمْ مَنْعُ ذَلِكَ لِشَهَادَةِ الْحِسِّ بِهِ، فَقَدْ أَعْطَيْتُمْ أَنَّ الْحَيْضَ وَالْحَبَلَ يَجْتَمِعَانِ، فَبَطَلَ اسْتِدْلَالُكُمْ مِنْ رَأْسِهِ، لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ لَا يُجَامِعُ الْحَبَلَ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: نَحْنُ إِنَّمَا جَوَّزْنَا وُرُودَ الْحَمْلِ عَلَى الْحَيْضِ، وَكَلَامُنَا فِي عَكْسِهِ، وَهُوَ وُرُودُ الْحَيْضِ عَلَى الْحَمْلِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
قِيلَ: إِذَا كَانَا مُتَنَافِيَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ وُرُودِ هَذَا عَلَى هَذَا وَعَكْسِهِ؟ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - أَجْرَى الْعَادَةَ بِانْقِلَابِ دَمِ الطَّمْثِ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ الْوَلَدُ، وَلِهَذَا لَا تَحِيضُ الْمَرَاضِعُ. قُلْنَا: وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ حُجَّتِنَا عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ هَذَا الِانْقِلَابَ وَالتَّغْذِيَةَ بِاللَّبَنِ إِنَّمَا يَسْتَحْكِمُ بَعْدَ الْوَضَعِ، وَهُوَ زَمَنُ سُلْطَانِ اللَّبَنِ، وَارْتِضَاعِ الْمَوْلُودِ، وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّ الْمُرْضِعَ لَا تَحِيضُ. وَمَعَ هَذَا، فَلَوْ رَأَتْ دَمًا فِي وَقْتِ عَادَتِهَا، لَحُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْحَيْضِ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَأَنْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْحَيْضِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَسْتَحْكِمْ فِيهَا انْقِلَابُهُ، وَلَا تَغَذَّى الطِّفْلُ بِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
قَالُوا: وَهَبْ أَنَّ هَذَا كَمَا تَقُولُونَ فَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ احْتِيَاجِ الطِّفْلِ إِلَى التَّغْذِيَةِ بِاللَّبَنِ، وَهَذَا بَعْدَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ. فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ لَبَنًا لِعَدَمِ حَاجَةِ الْحَمْلِ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute