ذَرِيعَةٌ إِلَى اقْتِنَاءِ الشُّحُومِ وَبَيْعِهَا، وَيُرَجِّحُهُ أَيْضًا: أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ: ( «لَا، هِيَ حَرَامٌ» ) ، وَهَذَا الضَّمِيرُ إِمَّا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الشُّحُومِ، وَإِمَّا إِلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَفْعَالِ الَّتِي سَأَلُوا عَنْهَا.
وَيُرَجِّحُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فِي الْفَأْرَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي السَّمْنِ: (إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَكُلُوهُ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» ) . وَفِي الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الِاسْتِصْبَاحِ وَغَيْرِهِ قُرْبَانٌ لَهُ. وَمَنْ رَجَّحَ الْأَوَّلَ يَقُولُ: ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ( «إِنَّمَا حَرُمَ مِنَ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» ) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي غَيْرِ الْأَكْلٍ، كَالْوَقِيدِ، وَسَدِّ الْبُثُوقِ، وَنَحْوِهِمَا. قَالُوا: وَالْخَبِيثُ إِنَّمَا تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، كَالْأَكْلِ وَاللُّبْسِ، وَأَمَّا الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةٍ فَلِأَيِّ شَيْءٍ يَحْرُمُ؟ .
قَالُوا: وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيَاقَ حَدِيثِ جابر، عَلِمَ أَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُمْ عَنِ الْبَيْعِ، وَأَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُمْ فِي بَيْعِ الشُّحُومِ، لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: (هُوَ حَرَامٌ) ، فَإِنَّهُمْ لَوْ سَأَلُوهُ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ، لَقَالُوا: أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَصْبِحَ بِهَا النَّاسُ، وَتُدْهَنَ بِهَا الْجُلُودُ؟ وَلَمْ يَقُولُوا: فَإِنَّهُ يُفْعَلُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ هَذَا إِخْبَارٌ مِنْهُمْ، لَا سُؤَالٌ، وَهُمْ لَمْ يُخْبِرُوهُ بِذَلِكَ عَقِيبَ تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَيْهِمْ؛ لِيَكُونَ قَوْلُهُ: (لَا هُوَ حَرَامٌ) صَرِيحًا فِي تَحْرِيمِهَا، وَإِنَّمَا أَخْبَرُوهُ بِهِ عَقِيبَ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ، فَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُمْ فِي بَيْعِ الشُّحُومِ لِهَذِهِ الْمَنَافِعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، فَلَمْ يَفْعَلْ. وَنِهَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، فَلَا يَحْرُمُ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَهُ.
قَالُوا: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنِ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ آبَارِ ثَمُودَ، وَأَبَاحَ لَهُمْ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute