يُطْعِمُوا مَا عَجَنُوا مِنْهُ مِنْ تِلْكَ الْآبَارِ لِلْبَهَائِمِ، قَالُوا: وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِيقَادَ النَّجَاسَةِ وَالِاسْتِصْبَاحَ بِهَا انْتِفَاعٌ خَالٍ عَنْ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ، وَعَنْ مُلَابَسَتِهَا بَاطِنًا وَظَاهِرًا، فَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ. وَمَا كَانَ هَكَذَا، فَالشَّرِيعَةُ لَا تُحَرِّمُهُ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا تُحَرِّمُ الْمَفَاسِدَ الْخَالِصَةَ أَوِ الرَّاجِحَةَ وَطُرُقَهَا وَأَسْبَابَهَا الْمُوَصِّلَةَ إِلَيْهَا.
قَالُوا: وَقَدْ أَجَازَ أحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الِاسْتِصْبَاحَ بِشُحُومِ الْمَيْتَةِ إِذَا خَالَطَتْ دُهْنًا طَاهِرًا، فَإِنَّهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ، وَطَلْيُ السُّفُنِ بِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمُ: الشَّيْخُ أبو محمد، وَغَيْرُهُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَصْبَحَ بِهِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنَيْهِ: صالح وعبد الله: لَا يُعْجِبُنِي بَيْعُ النَّجِسِ، وَيُسْتَصْبَحُ بِهِ إِذَا لَمْ يَمَسُّوهُ، لِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَهَذَا يَعُمُّ النَّجِسَ، وَالْمُتَنَجِّسَ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمُتَنَجِّسَ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقَوْلِ بِجَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِمَا خَالَطَهُ نَجَاسَةُ مَيْتَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الِاسْتِصْبَاحِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ إِذَا كَانَ مُنْفَرِدًا، وَبَيْنَ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ إِذَا خَالَطَهُ دُهْنٌ طَاهِرٌ فَنَجَّسَهُ؟ .
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ مُفْرَدًا، فَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَإِذَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ تَنَجَّسَ بِهِ، فَأَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِالْغَسْلِ، فَصَارَ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ دُونَ دُهْنِ الْمَيْتَةِ.
قِيلَ: لَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْفَرْقُ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute