للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنِ الْإِمَامِ أحمد، وَلَا عَنِ الشَّافِعِيِّ الْبَتَّةَ غَسْلُ الدُّهْنِ النَّجِسِ، وَلَيْسَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ فَتْوَى بَعْضِ الْمُنْتَسِبِينَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مالك أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، هَذِهِ رِوَايَةُ ابن نافع، وابن القاسم عَنْهُ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ وَإِنْ تَأَتَّى لِأَصْحَابِهِ فِي الزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَنَحْوِهِمَا، فَلَا يَتَأَتَّى لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَدْهَانِ، فَإِنَّ مِنْهَا مَا لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ، وأحمد وَالشَّافِعِيُّ قَدْ أَطْلَقَا الْقَوْلَ بِجَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يُفِيدُ فِي دَفْعِ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا لِلْخَبِيثِ وَالنَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنِيَّةً أَوْ طَارِئَةً، فَإِنَّهُ إِنْ حَرَّمَ الِاسْتِصْبَاحَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْخَبِيثِ، فَلَا فَرْقَ، وَإِنْ حَرُمَ لِأَجْلِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ، فَلَا فَرْقَ، وَإِنْ حَرُمَ لِكَوْنِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ ذَرِيعَةً إِلَى اقْتِنَائِهِ، فَلَا فَرْقَ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهَذَا دُونَ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ.

وَأَيْضًا فَقَدَ جَوَّزَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الِانْتِفَاعَ بِالسِّرْقِينِ النَّجِسِ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ، وَالثَّمَرِ، وَالْبَقْلِ مَعَ نَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَمُلَابَسَةُ الْمُسْتَعْمَلِ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْمُوقَدِ، وَظُهُورُ أَثَرِهِ فِي الْبُقُولِ وَالزُّرُوعِ، وَالثِّمَارِ، فَوْقَ ظُهُورِ أَثَرِ الْوَقِيدِ، وَإِحَالَةُ النَّارِ أَتَمُّ مِنْ إِحَالَةِ الْأَرْضِ، وَالْهَوَاءِ وَالشَّمْسِ لِلسِّرْقِينِ، فَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ لِأَجْلِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ، فَمَنْ سَلَّمَ أَنَّ دُخَانَ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ، وَبِأَيِّ كِتَابٍ، أَمْ بِأَيَّةِ سُنَّةٍ ثَبَتَ ذَلِكَ؟ وَانْقِلَابُ النَّجَاسَةِ إِلَى الدُّخَانِ أَتَمُّ مِنِ انْقِلَابِ عَيْنِ السِّرْقِينِ وَالْمَاءِ النَّجِسِ ثَمَرًا أَوْ زَرْعًا، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُشَكُّ فِيهِ، بَلْ مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ، حَتَّى جَوَّزَ بَعْضُ أَصْحَابِ مالك، وأبي حنيفة - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - بَيْعَهُ، فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِ النَّاسِ. وَقَالَ ابن القاسم: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزَّبْلِ. قَالَ اللخمي: وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ يَرَى بَيْعَ الْعَذِرَةِ. وَقَالَ أشهب فِي الزَّبْلِ: الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ فِيهِ مِنَ الْبَائِعِ، يَعْنِي فِي اشْتِرَائِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>