جِزْيَتِهِمْ.
قَالَ أبو عبيد: فَهُوَ لَمْ يَجْعَلْهَا قِصَاصًا مِنَ الْجِزْيَةِ إِلَّا وَهُوَ يَرَاهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. فَأَمَّا إِذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ بِالْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ عَلَى الْعَاشِرِ، فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ أَنْ يُعَشِّرَهَا، وَلَا يَأْخُذَ ثَمَنَ الْعُشْرِ مِنْهَا. وَإِنْ كَانَ الذِّمِّيُّ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِبَيْعِهَا أَيْضًا، وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُشْبِهُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ وَجَبَ عَلَى رِقَابِهِمْ وَأَرْضِيهِمْ، وَأَنَّ الْعُشْرَ هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُوضَعُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ أَنْفُسِهَا، وَكَذَلِكَ ثَمَنُهَا لَا يَطِيبُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» ) . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَفْتَى فِي مِثْلِ هَذَا بِغَيْرِ مَا أَفْتَى بِهِ فِي ذَاكَ، وَكَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
حَدَّثَنَا أبو الأسود المصري، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عبد الله بن هبيرة السبائي أَنَّ عتبة بن فرقد بَعَثَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ صَدَقَةِ الْخَمْرِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (بَعَثْتَ إِلَيَّ بِصَدَقَةِ الْخَمْرِ، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّاسَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا، قَالَ: فَتَرَكَهُ) .
حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنِ المثنى بن سعيد الضبعي، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ، أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِتَفْصِيلِ الْأَمْوَالِ الَّتِي قِبَلَكَ، مِنْ أَيْنَ دَخَلَتْ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَصَنَّفَهُ لَهُ، وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ مِنْ عُشْرِ الْخَمْرِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. قَالَ: فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ جَوَابُ كِتَابِهِ: إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَذْكُرُ مِنْ عُشُورِ الْخَمْرِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَإِنَّ الْخَمْرَ لَا يُعَشِّرُهَا مُسْلِمٌ، وَلَا يَشْتَرِيهَا، وَلَا يَبِيعُهَا، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا، فَاطْلُبِ الرَّجُلَ فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِمَا كَانَ فِيهَا. فَطَلَبَ الرَّجُلَ، فَرُدَّتْ عَلَيْهِ.
قَالَ أبو عبيد: فَهَذَا عِنْدِي الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute