وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ: الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ، أَنْ تُقَوَّمَ بِالْمَهْرِ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَهُ الشَّارِعُ فِي حَقِّ الْبَغِيِّ، وَهِيَ الَّتِي تَزْنِي بِاخْتِيَارِهَا، وَأَمَّا الْمُكْرَهَةُ عَلَى الزِّنَى فَلَيْسَتْ بَغِيًّا، فَلَا يَجُوزُ إِسْقَاطُ بَدَلِ مَنْفَعَتِهَا الَّتِي أُكْرِهَتْ عَلَى اسْتِيفَائِهَا، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ الْحُرُّ عَلَى اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ عِوَضُهَا، وَعِوَضُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا هُوَ الْمَهْرُ، فَهَذَا مَأْخَذُ الْقَوْلَيْنِ.
وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، رَأَى أَنَّ الْوَاطِئَ لَمْ يُذْهِبْ عَلَى الثَّيِّبِ شَيْئًا، وَحَسْبُهُ الْعُقُوبَةُ الَّتِي تَرَتَّبَتْ عَلَى فِعْلِهِ، وَهَذِهِ الْمَعْصِيَةُ لَا يُقَابِلُهَا شَرْعًا مَالٌ يَلْزَمُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْبِكْرِ فَإِنَّهُ أَزَالَ بَكَارَتَهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانِ مَا أَزَالَهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْجِنَايَةُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَضَمِنَ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ جُزْءِ مَنْفَعَةٍ، وَكَانَتِ الْمَنْفَعَةُ تَابِعَةً لِلْجُزْءِ فِي الضَّمَانِ، كَمَا كَانَتْ تَابِعَةً لَهُ فِي عَدَمِهِ مِنَ الْبِكْرِ الْمُطَاوِعَةِ.
وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِنَّ، رَأَى أَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ لَمَّا كَانَ تَحْرِيمًا مُسْتَقِرًّا، وَأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحَلِّ الْوَطْءِ شَرْعًا، كَانَ اسْتِيفَاءُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مِنْهُنَّ بِمَنْزِلَةِ التَّلَوُّطِ، فَلَا يُوجِبُ مَهْرًا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، فَإِنَّهُ عَارِضٌ يُمْكِنُ زَوَالُهُ.
قَالَ صَاحِبُ (الْمُغْنِي) : وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيمَنْ حَرُمَتْ بِالرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ أَيْضًا. وَمَنْ فَرَّقَ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، بَيْنَ مَنْ تَحْرُمُ ابْنَتُهَا، وَبَيْنَ مَنْ لَا تَحْرُمُ، فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ مَنْ لَا تَحْرُمُ ابْنَتُهَا تَحْرِيمُهَا أَخَفُّ مِنْ تَحْرِيمِ الْأُخْرَى فَأَشْبَهَ الْعَارِضَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا حُكْمُ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ فِي دُبُرِهَا، أَوِ الْأَمَةِ الْمُطَاوِعَةِ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ: هُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، فَهَذَا كَاللِّوَاطِ لَا يَجِبُ فِيهِ الْمَهْرُ اتِّفَاقًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute