الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ الْجَنَّةُ» ) أَوْ كَمَا قَالَ، فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ يَهُودِيٍّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَّلَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ الْيَهُودِيُّ يَبِيعُ مَاءَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَى مِنْهُ نِصْفَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: اخْتَرْ إِمَّا أَنْ تَأْخُذَهَا يَوْمًا وَآخُذَهَا يَوْمًا، وَإِمَّا أَنْ تَنْصِبَ لَكَ عَلَيْهَا دَلْوًا، وَأَنْصِبَ عَلَيْهَا دَلْوًا، فَاخْتَارَ يَوْمًا وَيَوْمًا، فَكَانَ النَّاسُ يَسْتَقُونَ مِنْهَا فِي يَوْمِ عثمان لِلْيَوْمَيْنِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَفْسَدْتَ عَلَيَّ بِئْرِي فَاشْتَرِ بَاقِيَهَا، فَاشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةِ آلَافٍ، فَكَانَ فِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْبِئْرِ وَجَوَازِ شِرَائِهَا، وَتَسْبِيلِهَا، وَصِحَّةِ بَيْعِ مَا يُسْقَى مِنْهَا، وَجَوَازِ قِسْمَةِ الْمَاءِ بِالْمُهَايَأَةِ، وَعَلَى كَوْنِ الْمَالِكِ أَحَقَّ بِمَائِهَا، وَجَوَازِ قِسْمَةِ مَا فِيهِ حَقٌّ وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ عِنْدَكُمْ لَا يُمَلَّكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهُ حَاجَتَهُ، فَكَيْفَ أَمْكَنَ الْيَهُودِيُّ تَحَجُّرَهُ حَتَّى اشْتَرَى عثمان الْبِئْرَ وَسَبَّلَهَا، فَإِنْ قُلْتُمُ: اشْتَرَى نَفْسَ الْبِئْرِ وَكَانَتْ مَمْلُوكَةً، وَدَخَلَ الْمَاءُ تَبَعًا، أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّكُمْ قَرَّرْتُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ دُخُولُ أَرْضِ غَيْرِهِ لِأَخْذِ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ، وَقَضِيَّةُ بِئْرِ الْيَهُودِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ وَلَا بُدَّ؛ إِمَّا مِلْكُ الْمَاءِ بِمِلْكِ قَرَارِهِ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْأَرْضِ لِأَخْذِ مَا فِيهَا مِنَ الْمُبَاحِ إِلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا.
قِيلَ: هَذَا سُؤَالٌ قَوِيٌّ، وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ، وَمَنْ مَنَعَ الْأَمْرَيْنِ، يُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَحِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْلَ تَقَرُّرِ الْأَحْكَامِ، وَكَانَ الْيَهُودُ إِذْ ذَاكَ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ تَكُنْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ جَارِيَةً عَلَيْهِمْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ، صَالَحَهُمْ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، ثُمَّ اسْتَقَرَّتِ الْأَحْكَامُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute