للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُوزُ لَهُ دُخُولُهَا لِأَخْذِ مَا لَهُ أَخْذُهُ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ غَالِبًا اسْتِئْذَانُ مَالِكِهَا، وَيَكُونُ قَدِ احْتَاجَ إِلَى الشُّرْبِ وَسَقْيِ بَهَائِمِهِ، وَرَعْيِ الْكَلَأِ، وَمَالِكُ الْأَرْضِ غَائِبٌ، فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْ دُخُولِهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ إِضْرَارٌ بِبَهَائِمِهِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مَنْعُهُ مِنَ الدُّخُولِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهُ، فَغَايَةُ مَا يُقَدَّرُ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهُ مِنَ الدُّخُولِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي تَوَقُّفِ دُخُولِهِ عَلَى الْإِذْنِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ الشَّارِعُ إِلَّا بِالدُّخُولِ، فَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، بَلْ لَوْ كَانَ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِغَيْرَةِ عَلَى حَرِيمِهِ وَعَلَى أَهْلِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ دَارٍ فِيهَا بِئْرٌ وَلَا أَنِيسَ بِهَا، فَلَهُ الدُّخُولُ بِإِذْنٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: ٢٩] [النُّورِ: ٢٩] ، وَهَذَا الدُّخُولُ الَّذِي رُفِعَ عَنْهُ الْجُنَاحُ هُوَ الدُّخُولُ بِلَا إِذْنٍ، فَإِنَّهُ قَدْ مَنَعَهُمْ قَبْلُ مِنَ الدُّخُولِ لِغَيْرِ بُيُوتِهِمْ حَتَّى يَسْتَأْنِسُوا وَيُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا، وَالِاسْتِئْنَاسُ هُنَا: الِاسْتِئْذَانُ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ بَعْضِ السَّلَفِ كَذَلِكَ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُمُ الْجُنَاحُ فِي دُخُولِ الْبُيُوتِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ لِأَخْذِ مَتَاعِهِمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الدُّخُولِ إِلَى بَيْتِ غَيْرِهِ وَأَرْضِهِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ، لِأَخْذِ حَقِّهِ مِنَ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ، فَهَذَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ أحمد وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي بَيْعِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ نَفْسِهَا: هَلْ يَجُوزُ؟ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْعُيُونُ فِي قَرَارِهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبِئْرِ نَفْسِهَا وَالْعَيْنِ، وَمُشْتَرِيهَا أَحَقُّ بِمَائِهَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ يُوَسِّعُ بِهَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>