للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَفْظُ السَّلَفِ يَتَنَاوَلُ الْقَرْضَ وَالسَّلَمَ؛ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ أَيْضًا أَسْلَفَ الْقَرْضَ، أَيْ: قَدَّمَهُ، وَمِنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ: ( «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ» ) ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ ( «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ بَكْرًا وَقَضَى جَمَلًا رَبَاعِيًا» ) وَالَّذِي يَبِيعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ لَا يَقْصِدُ إِلَّا الرِّبْحَ، وَهُوَ تَاجِرٌ، فَيَسْتَلِفُ بِسِعْرٍ، ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَشْتَرِي بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِغَيْرِهِ بِلَا فَائِدَةٍ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا مَنْ يَتَوَكَّلُ لِغَيْرِهِ فَيَقُولُ: أَعْطِنِي، فَأَنَا أَشْتَرِي لَكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ، فَيَكُونُ أَمِينًا، أَمَّا أَنَّهُ يَبِيعُهَا بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ يَقْبِضُهُ، ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَشْتَرِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ فِي الْحَالِّ، فَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ عَاقِلٌ، نَعَمْ إِذَا كَانَ هُنَاكَ تَاجِرٌ، فَقَدْ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الثَّمَنِ فَيَسْتَسْلِفُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ مُدَّةً إِلَى أَنْ يُحَصِّلَ تِلْكَ السِّلْعَةَ، فَهَذَا يَقَعُ فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَيْعَ الْمَفَالِيسِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الثَّمَنِ وَهُوَ مُفْلِسٌ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْحَالِّ مَا يَبِيعُهُ، وَلَكِنْ لَهُ مَا يَنْتَظِرُهُ مِنْ مَغَلٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَبِيعُهُ فِي الذِّمَّةِ، فَهَذَا يُفْعَلُ مَعَ الْحَاجَةِ، وَلَا يُفْعَلُ بِدُونِهَا إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ أَنْ يَتَّجِرَ بِالثَّمَنِ فِي الْحَالِّ، أَوْ يَرَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الرِّبْحِ أَكْثَرُ مِمَّا يَفُوتُ بِالسَّلَمِ، فَإِنَّ الْمُسْتَسْلِفَ يَبِيعُ السِّلْعَةَ فِي الْحَالِّ بِدُونِ مَا تُسَاوِي نَقْدًا، وَالْمُسَلِّفُ يَرَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا إِلَى أَجَلٍ بِأَرْخَصَ مِمَّا يَكُونُ عِنْدَ حُصُولِهَا، وَإِلَّا فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا عِنْدَ طَرْدِ الْأَصْلِ تُبَاعُ بِمِثْلِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ لَمْ يُسَلِّمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>