فِيهَا، فَيَذْهَبُ نَفْعُ مَالِهِ بِلَا فَائِدَةٍ، وَإِذَا قَصَدَ الْأَجْرَ أَقْرَضَهُ ذَلِكَ قَرْضًا، وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ سَلَمًا إِلَّا إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ فِي الْحَالِّ أَرْخَصُ مِنْهُ وَقْتَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَالسَّلَمُ الْمُؤَجَّلُ فِي الْغَالِبِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ حَاجَةِ الْمُسْتَسْلِفِ إِلَى الثَّمَنِ، وَأَمَّا الْحَالُّ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَدْ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الثَّمَنِ، فَيَبِيعُ مَا عِنْدَهُ مُعَيَّنًا تَارَةً، وَمَوْصُوفًا أُخْرَى، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا إِذَا قَصَدَ التِّجَارَةَ وَالرِّبْحَ، فَيَبِيعُهُ بِسِعْرٍ، وَيَشْتَرِيهِ بِأَرْخَصَ مِنْهُ.
ثُمَّ هَذَا الَّذِي قَدَّرَهُ قَدْ يَحْصُلُ كَمَا قَدَّرَهُ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ تِلْكَ السِّلْعَةُ الَّتِي يُسْلِفُ فِيهَا إِلَّا بِثَمَنٍ أَغْلَى مِمَّا أَسْلَفَ فَيَنْدَمُ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِسِعْرٍ أَرْخَصَ مِنْ ذَلِكَ، قَدَّمَ السَّلَفَ إِذْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ هُوَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَصَارَ هَذَا مِنْ نَوْعِ الْمَيْسِرِ وَالْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ، كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ يُبَاعُ بِدُونِ ثَمَنِهِ، فَإِنْ حَصَلَ نَدِمَ الْبَائِعُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ نَدِمَ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَبَيْعُ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَحْصُلُ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ، فَبَائِعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِ بَائِعِ الْغَرَرِ الَّذِي قَدْ يَحْصُلُ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْقِمَارِ وَالْمَيْسِرِ.
وَالْمُخَاطَرَةُ مُخَاطَرَتَانِ: مُخَاطَرَةُ التِّجَارَةِ. وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ بِقَصْدِ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَرْبَحَ وَيَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ.
وَالْخَطَرُ الثَّانِي: الْمَيْسِرُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، فَهَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ مِثْلُ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَالْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَبَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا قَدْ قَمَرَ الْآخَرَ، وَظَلَمَهُ، وَيَتَظَلَّمُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ بِخِلَافِ التَّاجِرِ الَّذِي قَدِ اشْتَرَى السِّلْعَةَ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا نَقَصَ سِعْرُهَا، فَهَذَا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ حِيلَةٌ، وَلَا يَتَظَلَّمُ مِثْلُ هَذَا مِنَ الْبَائِعِ، وَبَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ قِسْمِ الْقِمَارِ وَالْمَيْسِرِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَرْبَحَ عَلَى هَذَا لَمَّا بَاعَهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ، ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَوْ عَلِمُوا ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرُوا مِنْهُ، بَلْ يَذْهَبُونَ وَيَشْتَرُونَ مِنْ حَيْثُ اشْتَرَى هُوَ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمُخَاطَرَةُ مُخَاطَرَةَ التُّجَّارِ، بَلْ مُخَاطَرَةُ الْمُسْتَعْجِلِ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَإِذَا اشْتَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute