للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُعْتَادِ، وَلَبَنِ الْبَهَائِمِ الْمُعْتَادِ، وَمِثْلِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ الْمُعْتَادِ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَهُوَ جَائِزٌ.

ثُمَّ إِنْ حَصَلَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، وَإِلَّا حَطَّ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنَ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَهُوَ مِثْلُ وَضْعِ الْجَائِحَةِ فِي الْبَيْعِ، وَمِثْلُ مَا إِذَا تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْقَبْضِ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَوْرِدُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ إِنَّمَا هُوَ الْمَنَافِعُ لَا الْأَعْيَانُ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الطَّعَامِ لِيَأْكُلَهُ، وَالْمَاءِ لِيَشْرَبَهُ، وَأَمَّا إِجَارَةُ الظِّئْرِ، فَعَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ: وَضْعُ الطِّفْلِ فِي حِجْرِهَا، وَإِلْقَامُهُ ثَدْيَهَا، وَاللَّبَنُ يَدْخُلُ ضِمْنًا وَتَبَعًا، فَهُوَ كَنَقْعِ الْبِئْرِ فِي إِجَارَةِ الدَّارِ، وَيُغْتَفَرُ فِيمَا دَخَلَ ضِمْنًا وَتَبَعًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأُصُولِ وَالْمَتْبُوعَاتِ.

قِيلَ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: مَنْعُ كَوْنِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لَا يَرِدُ إِلَّا عَلَى مَنْفَعَةٍ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ وَلَا بِالسُّنَّةِ وَلَا بِالْإِجْمَاعِ، بَلِ الثَّابِتُ عَنِ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ، كَمَا صَحَّ عَنْ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَبِلَ حَدِيقَةَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ فَقَضَى بِهَا دَيْنَهُ، وَالْحَدِيقَةُ: هِيَ النَّخْلُ، فَهَذِهِ إِجَارَةُ الشَّجَرِ لِأَخْذِ ثَمَرِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عُقَيْلٍ مِنْ أَصْحَابِ أحمد، وَاخْتِيَارُ شَيْخِنَا، فَقَوْلُكُمْ: إِنَّ مَوْرِدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنْفَعَةً غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَلَا ثَابِتٍ بِالدَّلِيلِ، وَغَايَةُ مَا مَعَكُمْ قِيَاسُ مَحَلِّ النِّزَاعِ عَلَى إِجَارَةِ الْخُبْزِ لِلْأَكْلِ، وَالْمَاءِ لِلشُّرْبِ، وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ الْخُبْزَ تَذْهَبُ عَيْنُهُ، وَلَا يُسْتَخْلَفُ مِثْلُهُ بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يُسْتَخْلَفُ وَيُحْدَثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنَافِعِ.

يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الثَّمَرَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَنَافِعِ وَالْفَوَائِدِ فِي الْوَقْفِ وَالْعَارِيَةِ وَنَحْوِهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَقِفَ الشَّجَرَةَ لِيَنْتَفِعَ أَهْلُ الْوَقْفِ بِثَمَرَاتِهَا كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>