وَلَهُ أَيْضًا مِنَ الْأَخْلَاقِ أَطْيَبُهَا وَأَزْكَاهَا، كَالْحِلْمِ وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالصَّبْرِ وَالْوَفَاءِ، وَسُهُولَةِ الْجَانِبِ وَلِينِ الْعَرِيكَةِ وَالصِّدْقِ، وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ مِنَ الْغِلِّ وَالْغِشِّ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، وَالتَّوَاضُعِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَالْعِزَّةِ وَالْغِلْظَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَصِيَانَةِ الْوَجْهِ عَنْ بَذْلِهِ وَتَذَلُّلِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَالْعِفَّةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ وَالْمُرُوءَةِ، وَكُلِّ خُلُقٍ اتَّفَقَتْ عَلَى حُسْنِهِ الشَّرَائِعُ وَالْفِطَرُ وَالْعُقُولُ.
وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَارُ مِنَ الْمَطَاعِمِ إِلَّا أَطْيَبَهَا، وَهُوَ الْحَلَالُ الْهَنِيءُ الْمَرِيءُ الَّذِي يُغَذِّي الْبَدَنَ وَالرُّوحَ أَحْسَنَ تَغْذِيَةٍ، مَعَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ مِنْ تَبِعَتِهِ.
وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَارُ مِنَ الْمَنَاكِحِ إِلَّا أَطْيَبَهَا وَأَزْكَاهَا، وَمِنَ الرَّائِحَةِ إِلَّا أَطْيَبَهَا وَأَزْكَاهَا، وَمِنَ الْأَصْحَابِ وَالْعُشَرَاءِ إِلَّا الطَّيِّبِينَ مِنْهُمْ، فَرُوحُهُ طَيِّبٌ، وَبَدَنُهُ طَيِّبٌ، وَخُلُقُهُ طَيِّبٌ وَعَمَلُهُ طَيِّبٌ، وَكَلَامُهُ طَيِّبٌ، وَمَطْعَمُهُ طَيِّبٌ، وَمَشْرَبُهُ طَيِّبٌ، وَمَلْبَسُهُ طَيِّبٌ، وَمَنْكَحُهُ طَيِّبٌ، وَمَدْخَلُهُ طَيِّبٌ، وَمَخْرَجُهُ طَيِّبٌ، وَمُنْقَلَبُهُ طَيِّبٌ، وَمَثْوَاهُ كُلُّهُ طَيِّبٌ. فَهَذَا مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: ٣٢] [النَّحْلِ: ٣٢] وَمِنَ الَّذِينَ يَقُولُ لَهُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: ٧٣] [الزُّمَرِ: ٧٢] وَهَذِهِ الْفَاءُ تَقْتَضِي السَّبَبِيَّةَ، أَيْ: بِسَبَبِ طِيبِكُمُ ادْخُلُوهَا. وَقَالَ تَعَالَى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: ٢٦] [النُّورِ: ٢٦] ، وَقَدْ فُسِّرَتِ الْآيَةُ بِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الْخَبِيثَاتِ لِلْخَبِيثِينَ وَالْكَلِمَاتِ الطَّيِّبَاتِ لَلطَّيِّبِينَ، وَفُسِّرَتْ بِأَنَّ النِّسَاءَ الطَّيِّبَاتِ لِلرِّجَالِ الطَّيِّبِينَ، وَالنِّسَاءَ الْخَبِيثَاتِ لِلرِّجَالِ الْخَبِيثِينَ، وَهِيَ تَعُمُّ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ، فَالْكَلِمَاتُ وَالْأَعْمَالُ وَالنِّسَاءُ الطَّيِّبَاتُ لِمُنَاسِبِهَا مِنَ الطَّيِّبِينَ، وَالْكَلِمَاتُ وَالْأَعْمَالُ وَالنِّسَاءُ الْخَبِيثَةُ لِمُنَاسِبِهَا مِنَ الْخَبِيثِينَ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الطَّيِّبَ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَجَعَلَ الْخَبِيثَ بِحَذَافِيرِهِ فِي النَّارِ، فَجَعَلَ الدُّورَ ثَلَاثَةً: دَارًا أُخْلِصَتْ لَلطَّيِّبِينَ، وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِ الطَّيِّبِينَ، وَقَدْ جَمَعَتْ كُلَّ طَيِّبٍ وَهِيَ الْجَنَّةُ. وَدَارًا أُخْلِصَتْ لِلْخَبِيثِ وَالْخَبَائِثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute