للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَدْخُلُهَا إِلَّا الْخَبِيثُونَ وَهِيَ النَّارُ. وَدَارًا امْتَزَجَ فِيهَا الطَّيِّبُ وَالْخَبِيثُ وَخُلِطَ بَيْنَهُمَا وَهِيَ هَذِهِ الدَّارُ؛ وَلِهَذَا وَقَعَ الِابْتِلَاءُ وَالْمِحْنَةُ بِسَبَبِ هَذَا الِامْتِزَاجِ وَالِاخْتِلَاطِ، وَذَلِكَ بِمُوجَبِ الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ مَعَادِ الْخَلِيقَةِ مَيَّزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، فَجَعَلَ الطَّيِّبَ وَأَهْلَهُ فِي دَارٍ عَلَى حِدَةٍ لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ، وَجَعَلَ الْخَبِيثَ وَأَهْلَهُ فِي دَارٍ عَلَى حِدَةٍ لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ، فَعَادَ الْأَمْرُ إِلَى دَارَيْنِ فَقَطْ: الْجَنَّةِ وَهِيَ دَارُ الطَّيِّبِينَ، وَالنَّارِ وَهِيَ دَارُ الْخَبِيثِينَ، وَأَنْشَأَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَعْمَالِ الْفَرِيقَيْنِ ثَوَابَهُمْ وَعِقَابَهُمْ، فَجَعَلَ طَيِّبَاتِ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ هِيَ عَيْنَ نَعِيمِهِمْ وَلَذَّاتِهِمْ، أَنْشَأَ لَهُمْ مِنْهَا أَكْمَلَ أَسْبَابِ النَّعِيمِ وَالسُّرُورِ، وَجَعَلَ خَبِيثَاتِ أَقْوَالِ الْآخَرِينَ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ هِيَ عَيْنَ عَذَابِهِمْ وَآلَامِهِمْ، فَأَنْشَأَ لَهُمْ مِنْهَا أَعْظَمَ أَسْبَابِ الْعِقَابِ وَالْآلَامِ حِكْمَةً بَالِغَةً وَعِزَّةً بَاهِرَةً قَاهِرَةً لِيُرِيَ عِبَادَهُ كَمَالَ رُبُوبِيَّتِهِ وَكَمَالَ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَعَدْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَلِيَعْلَمَ أَعْدَاؤُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا هُمُ الْمُفْتَرِينَ الْكَذَّابِينَ لَا رُسُلُهُ الْبَرَرَةُ الصَّادِقُونَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ - لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل: ٣٨ - ٣٩] [النَّحْلِ: ٣٨-٣٩] .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - جَعَلَ لِلسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ عُنْوَانًا يُعْرَفَانِ بِهِ، فَالسَّعِيدُ الطَّيِّبُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا طَيِّبٌ، وَلَا يَأْتِي إِلَّا طَيِّبًا، وَلَا يَصْدُرُ مِنْهُ إِلَّا طَيِّبٌ، وَلَا يُلَابِسُ إِلَّا طَيِّبًا، وَالشَّقِيُّ الْخَبِيثُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا الْخَبِيثُ، وَلَا يَأْتِي إِلَّا خَبِيثًا، وَلَا يَصْدُرُ مِنْهُ إِلَّا الْخَبِيثُ، فَالْخَبِيثُ يَتَفَجَّرُ مِنْ قَلْبِهِ الْخُبْثُ عَلَى لِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ، وَالطَّيِّبُ يَتَفَجَّرُ مِنْ قَلْبِهِ الطِّيبُ عَلَى لِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ. وَقَدْ يَكُونُ فِي الشَّخْصِ مَادَّتَانِ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا طَهَّرَهُ مِنَ الْمَادَّةِ الْخَبِيثَةِ قَبْلَ الْمُوَافَاةِ، فَيُوَافِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُطَهَّرًا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَطْهِيرِهِ بِالنَّارِ فَيُطَهِّرُهُ مِنْهَا بِمَا يُوَفِّقُهُ لَهُ مِنَ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ، وَيُمْسِكُ عَنِ الْآخَرِ مَوَادَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>