هَذَا إِذَا لَمْ يَخَفِ الْمُسَافِرُ فَوْتَ رُفْقَتِهِ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ رُفْقَتِهِ وَانْقِطَاعَهُ بَعْدَهُمْ جَازَ لَهُ السَّفَرُ مُطْلَقًا، لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ يُسْقِطُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ.
وَلَعَلَّ مَا رُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُسَافِرٍ سَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ أَسْرَجَ دَابَّتَهُ، فَقَالَ لِيَمْضِ عَلَى سَفَرِهِ - مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْجُمُعَةُ لَا تَحْبِسُ عَنِ السَّفَرِ.
وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ جَوَازَ السَّفَرِ مُطْلَقًا فَهِيَ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ. وَالدَّلِيلُ: هُوَ الْفَاصِلُ عَلَى أَنَّ عبد الرزاق قَدْ رَوَى فِي " مُصَنَّفِهِ " عَنْ معمر عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَوْ غَيْرِهِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابُ سَفَرٍ بَعْدَ مَا قَضَى الْجُمُعَةَ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: أَرَدْتُ سَفَرًا فَكَرِهْتُ أَنْ أَخْرُجَ حَتَّى أُصَلِّيَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَمْنَعُكَ السَّفَرَ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُهَا) فَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَمْنَعُ السَّفَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ قَبْلَهُ.
وَذَكَرَهُ عبد الرزاق أَيْضًا عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (أَبْصَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ، وَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَخَرَجْتُ، فَقَالَ عمر: إِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ مُسَافِرًا فَاخْرُجْ مَا لَمْ يَحِنِ الرَّوَاحُ) .
وَذَكَرَ أَيْضًا عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صالح بن كثير عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ( «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَافِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ضُحًى قَبْلَ الصَّلَاةِ» ) .
وَذَكَرَ عَنْ معمر قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ: هَلْ يَخْرُجُ الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ فَكَرِهَهُ، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ بِالرُّخْصَةِ فِيهِ، فَقَالَ لِي: قَلَّمَا يَخْرُجُ رَجُلٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute