وَزَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: طَوِيلَ التَّغَنِّي: طَوِيلَ الِاسْتِغْنَاءِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا عَنَى الأعشى بِالتَّغَنِّي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْإِقَامَةَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: غَنَّى فُلَانٌ بِمَكَانِ كَذَا: إِذَا أَقَامَ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الأعراف: ٩٢] [الْأَعْرَافِ: ٩٢] ، وَاسْتِشْهَادُهُ بِقَوْلِ الْآخَرِ:
كِلَانَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ ... وَنَحْنُ إِذَا مِتْنَا أَشَدُّ تَغَانِيَا
فَإِنَّهُ إِغْفَالٌ مِنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّغَانِيَ تَفَاعُلٌ مِنْ تَغَنَّى: إِذَا اسْتَغْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، كَمَا يُقَالُ تَضَارَبَ الرَّجُلَانِ، إِذَا ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَتَشَاتَمَا، وَتَقَاتَلَا. وَمَنْ قَالَ: هَذَا فِي فِعْلِ اثْنَيْنِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ فِي فِعْلِ الْوَاحِدِ، فَيَقُولُ: تَغَانَى زَيْدٌ، وَتَضَارَبَ عَمْرٌو، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ: تَغَنَّى زَيْدٌ بِمَعْنَى اسْتَغْنَى، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَائِلُهُ أَنَّهُ أَظْهَرَ الِاسْتِغْنَاءَ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَغْنٍ كَمَا يُقَالُ تَجَلَّدَ فُلَانٌ إِذَا أَظْهَرَ جَلَدًا مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ غَيْرُ جَلِيدٍ، وَتَشَجَّعَ، وَتَكَرَّمَ، فَإِنْ وَجَّهَ مُوَجِّهٌ التَّغَنِّيَ بِالْقُرْآنِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى عَلَى بُعْدِهِ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْعَرَبِ، كَانَتِ الْمُصِيبَةُ فِي خَطَئِهِ فِي ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَنَّهُ يُوجِبُ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَأْذَنْ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِالْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ خِلَافَ مَا هُوَ بِهِ مِنَ الْحَالِ، وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ. قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ فَسَادَ تَأْوِيلِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَيْضًا أَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ مِنَ الْمُحَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute