أَنْ يُوصَفَ أَحَدٌ بِهِ أَنَّهُ يُؤْذَنُ لَهُ فِيهِ أَوْ لَا يُؤْذَنُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأُذُنُ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِمَعْنَى الْإِذْنِ الَّذِي هُوَ إِطْلَاقٌ وَإِبَاحَةٌ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَهُوَ غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: مِنَ اللُّغَةِ، وَالثَّانِي: مِنْ إِحَالَةِ الْمَعْنَى عَنْ وَجْهِهِ. أَمَّا اللُّغَةُ، فَإِنَّ الْأُذُنَ مَصْدَرُ قَوْلِهِ: أَذِنَ فُلَانٌ لِكَلَامِ فُلَانٍ، فَهُوَ يَأْذَنُ لَهُ: إِذَا اسْتَمَعَ لَهُ وَأَنْصَتَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: ٢] [الِانْشِقَاقِ: ٢] ، بِمَعْنَى سَمِعَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّ لَهَا ذَلِكَ، كَمَا قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
إِنَّ هَمِّي فِي سَمَاعٍ وَأُذُنٍ
بِمَعْنَى، فِي سَمَاعٍ وَاسْتِمَاعٍ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ: مَا اسْتَمَعَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ مَا اسْتَمَعَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْإِحَالَةُ فِي الْمَعْنَى، فَلِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ بِالْقُرْآنِ عَنِ النَّاسِ غَيْرُ جَائِزٍ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ مَسْمُوعٌ وَمَأْذُونٌ لَهُ، انْتَهَى كَلَامُ الطَّبَرِيِّ
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ: وَقَدْ وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَتَغَنَّوْا بِهِ وَاكْتُبُوهُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الْمَخَاضِ مِنَ الْعُقْلِ» ) . قَالَ: وَذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: ذُكِرَ لِأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ تَأْوِيلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ (يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ) يَسْتَغْنِي بِهِ، فَقَالَ لَمْ يَصْنَعِ ابْنُ عُيَيْنَةَ شَيْئًا، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute