لِلْخُبْزِ، وَنَحْوِهِ، قَالُوا: لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَفِعْلَ التَّعَجُّبِ إِنَّمَا يُصَاغَانِ مِنَ الْفِعْلِ اللَّازِمِ، وَلِهَذَا يُقَدَّرُ نَقْلُهُ مِنْ " فَعَلَ " وَ" فَعِلَ " الْمَفْتُوحِ الْعَيْنِ وَمَكْسُورِهَا، إِلَى " فَعُلَ " الْمَضْمُومِ الْعَيْنِ، قَالُوا: وَلِهَذَا يُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ إِلَى الْمَفْعُولِ، فَهَمْزَتُهُ لِلتَّعْدِيَةِ، كَقَوْلِكَ: مَا أَظْرَفَ زَيْدًا، وَأَكْرَمَ عَمْرًا، وَأَصْلُهُمَا: مِنْ ظَرُفَ وَكَرُمَ. قَالُوا: لِأَنَّ الْمُتَعَجَّبَ مِنْهُ فَاعِلٌ فِي الْأَصْلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ، قَالُوا: وَأَمَّا نَحْوُ: مَا أَضْرَبَ زَيْدًا لِعَمْرٍو، فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ " فَعَلَ " الْمَفْتُوحِ الْعَيْنِ إِلَى " فَعُلَ " الْمَضْمُومِ الْعَيْنِ، ثُمَّ عُدِّيَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِالْهَمْزَةِ، قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَجِيئُهُمْ بِاللَّامِ، فَيَقُولُونَ: مَا أَضْرَبَ زَيْدًا لِعَمْرٍو، وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى تَعَدِّيهِ، لَقِيلَ: مَا أَضْرَبَ زَيْدًا عَمْرًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ، وَإِلَى الْآخَرِ بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ، فَلَمَّا أَنْ عَدَّوْهُ إِلَى الْمَفْعُولِ بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ عَدَّوْهُ إِلَى الْآخَرِ بِاللَّامِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُمْ أَنْ قَالُوا: إِنَّهُمَا لَا يُصَاغَانِ إِلَّا مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ، لَا مِنَ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ عَلَى الْمَفْعُولِ.
وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، وَقَالُوا: يَجُوزُ صَوْغُهُمَا مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ، وَمِنَ الْوَاقِعِ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَكَثْرَةُ السَّمَاعِ بِهِ مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ عَلَى جَوَازِهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا أَشْغَلَهُ بِالشَّيْءِ، وَهُوَ مِنْ شُغِلَ فَهُوَ مَشْغُولٌ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ مَا أَوْلَعَهُ بِكَذَا، وَهُوَ مِنْ أُولِعَ بِالشَّيْءِ فَهُوَ مُولَعٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ لَيْسَ إِلَّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: مَا أَعْجَبَهُ بِكَذَا، فَهُوَ مِنْ أُعْجِبَ بِهِ، وَيَقُولُونَ مَا أَحَبَّهُ إِلَيَّ فَهُوَ تَعَجُّبٌ مِنْ فِعْلِ الْمَفْعُولِ، وَكَوْنِهِ مَحْبُوبًا لَكُ، وَكَذَا: مَا أَبْغَضَهُ إِلَيَّ، وَأَمْقَتَهُ إِلَيَّ.
وَهَاهُنَا مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا سِيبَوَيْهِ، وَهِيَ أَنَّكَ تَقُولُ: مَا أَبْغَضَنِي لَهُ، وَمَا أَحَبَّنِي لَهُ، وَمَا أَمْقَتَنِي لَهُ: إِذَا كُنْتَ أَنْتَ الْمُبْغِضَ الْكَارِهَ، وَالْمُحِبَّ الْمَاقِتَ، فَتَكُونُ مُتَعَجِّبًا مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ، وَتَقُولُ: مَا أَبْغَضنِي إِلَيْهِ، وَمَا أَمْقَتَنِي إِلَيْهِ، وَمَا أَحَبَّنِي إِلَيْهِ: إِذَا كُنْتَ أَنْتَ الْبَغِيضُ الْمَمْقُوتُ، أَوِ الْمَحْبُوبُ، فَتَكُونُ مُتَعَجِّبًا مِنَ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ عَلَى الْمَفْعُولِ، فَمَا كَانَ بِاللَّامِ فَهُوَ لِلْفَاعِلِ، وَمَا كَانَ بِـ " إِلَى " فَهُوَ لِلْمَفْعُولِ. وَأَكْثَرُ النُّحَاةِ لَا يُعَلِّلُونَ بِهَذَا، وَالَّذِي يُقَالُ فِي عِلَّتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِنَّ اللَّامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute