تَكُونُ لِلْفَاعِلِ فِي الْمَعْنَى، نَحْوُ قَوْلِكَ: لِمَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: لِزَيْدٍ، فَيُؤْتَى بِاللَّامِ. وَأَمَّا " إِلَى " فَتَكُونُ لِلْمَفْعُولِ فِي الْمَعْنَى، فَتَقُولُ: إِلَى مَنْ يَصِلُ هَذَا الْكِتَابُ؟ فَتَقُولُ: إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ اللَّامَ فِي الْأَصْلِ لِلْمِلْكِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْفَاعِلِ الَّذِي يَمْلِكُ وَيَسْتَحِقُّ، وَ" إِلَى " لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، وَالْغَايَةُ مُنْتَهَى مَا يَقْتَضِيهِ الْفِعْلُ فَهِيَ بِالْمَفْعُولِ أَلْيَقُ؛ لِأَنَّهَا تَمَامُ مُقْتَضَى الْفِعْلِ، وَمِنَ التَّعَجُّبِ مِنْ فِعْلِ الْمَفْعُولِ قَوْلُ كعب بن زهير فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَلَهْوَ أَخْوَفُ عِنْدِي إِذْ أُكَلِّمُهُ ... وَقِيلَ إِنَّكَ مَحْبُوسٌ وَمَقْتُولُ
مِنْ خَادِرٍ مِنْ لُيُوثِ الْأُسْدِ مَسْكَنُهُ ... بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ
فَأَخْوَفُ هَاهُنَا، مِنْ خِيفَ فَهُوَ مَخُوفٌ لَا مِنْ خَافَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: مَا أَجَنَّ زَيْدًا، مِنْ جُنَّ فَهُوَ مَجْنُونٌ، هَذَا مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ.
قَالَ الْبَصْرِيُّونَ: كُلُّ هَذَا شَاذٌّ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَلَا نُشَوِّشُ بِهِ الْقَوَاعِدَ، وَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ مِنْهُ عَلَى الْمَسْمُوعِ، قَالَ الْكُوفِيُّونَ: كَثْرَةُ هَذَا فِي كَلَامِهِمْ نَثْرًا وَنَظْمًا يَمْنَعُ حَمْلَهُ عَلَى الشُّذُوذِ؛ لِأَنَّ الشَّاذَّ مَا خَالَفَ اسْتِعْمَالَهُمْ وَمُطَّرِدَ كَلَامِهِمْ، وَهَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ، قَالُوا: وَأَمَّا تَقْدِيرُكُمْ لُزُومَ الْفِعْلِ وَنَقْلَهُ إِلَى فَعُلَ فَتَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِ مِنَ التَّعْدِيَةِ بِالْهَمْزَةِ إِلَى آخِرِهِ فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِيهَا كَمَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ، وَالْهَمْزَةُ فِي هَذَا الْبِنَاءِ لَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالتَّفْضِيلِ فَقَطْ، كَأَلِفِ " فَاعِلٍ " وَمِيمِ " مَفْعُولٍ " وَوَاوِهُ وَتَاءِ الِافْتِعَالِ وَالْمُطَاوَعَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الزَّوَائِدِ الَّتِي تَلْحَقُ الْفِعْلَ الثَّلَاثِيَّ لِبَيَانِ مَا لَحِقَهُ مِنَ الزَّيَادَةِ عَلَى مُجَرَّدِهِ، فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الْجَالِبُ لِهَذِهِ الْهَمْزَةِ لَا تَعْدِيَةُ الْفِعْلِ.
قَالُوا: وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي يُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute