حَجُّهُمْ، وَجَمِيعُ مَا تُعْتَبَرُ لَهُ الْأَشْهُرُ مِنْ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» ) .
فَظَهَرَ حُكْمُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةِ فِي تَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ وَفِي تَعْيِينِهِ، وَهُمْ أَخْطَئُوا تَعْيِينَهُ لِدَوَرَانِهِ فِي السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ، كَمَا أَخْطَأَ النَّصَارَى فِي تَعْيِينِ صَوْمِهِمْ بِأَنْ جَعَلُوهُ فِي فَصْلٍ مِنَ السَّنَةِ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَشْهُرُ.
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تُعَظِّمُ هَذَا الْيَوْمَ، وَكَانُوا يَكْسُونَ الْكَعْبَةَ فِيهِ، وَصَوْمُهُ مِنْ تَمَامِ تَعْظِيمِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ بِالْأَهِلَّةِ، فَكَانَ عِنْدَهُمْ عَاشِرَ الْمُحَرَّمِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَصُومُونَهُ، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «نَحْنُ أَحَقُّ مِنْكُمْ بِمُوسَى» ) فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ تَقْرِيرًا لِتَعْظِيمِهِ وَتَأْكِيدًا، وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَأُمَّتَهُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنَ الْيَهُودِ، فَإِذَا صَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ كُنَّا أَحَقَّ أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ مِنَ الْيَهُودِ، لَا سِيَّمَا إِذَا قُلْنَا: شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُخَالِفْهُ شَرْعُنَا.
فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ مُوسَى صَامَهُ؟ قُلْنَا: ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: يَوْمٌ عَظِيمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَأَغْرَقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ". فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» ) فَلَمَّا أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُمْ عُلِمَ أَنَّ مُوسَى صَامَهُ شُكْرًا لِلَّهِ، فَانْضَمَّ هَذَا الْقَدْرُ إِلَى التَّعْظِيمِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَازْدَادَ تَأْكِيدًا حَتَّى بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْأَمْصَارِ بِصَوْمِهِ وَإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَتَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَوْجَبَهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ.
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute