للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مِنْ قَوْلِ حفصة وعائشة؟ فَأَمَّا حَدِيثُ حفصة: فَأَوْقَفَهُ عَلَيْهَا معمر، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ، قَالَ الترمذي: وَقَدْ رَوَاهُ نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ، وَهُوَ أَصَحُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ رَفْعَهُ لِثِقَةِ رَافِعِهِ وَعَدَالَتِهِ، وَحَدِيثُ عائشة أَيْضًا: رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَاخْتُلِفَ فِي تَصْحِيحِ رَفْعِهِ. فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ ثَبَتَ رَفْعُهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْأَمْرِ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَذَلِكَ تَجْدِيدُ حُكْمٍ وَاجِبٍ وَهُوَ التَّبْيِيتُ وَلَيْسَ نَسْخًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ بِخِطَابٍ، فَإِجْزَاءُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ كَانَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَقَبْلَ فَرْضِ التَّبْيِيتِ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُ صَوْمِهِ بِرَمَضَانَ وَتَجَدَّدَ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ.

وَطَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ: هِيَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِ أبي حنيفة أَنَّ وُجُوبَ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ: وُجُوبَ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِجْزَاءَ صَوْمِهِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ نُسِخَ تَعْيِينُ الْوَاجِبِ بِوَاجِبٍ آخَرَ فَبَقِيَ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ.

وَطَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ: وَهِيَ أَنَّ الْوَاجِبَ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ، وَوُجُوبُ عَاشُورَاءَ إِنَّمَا عُلِمَ مِنَ النَّهَارِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنِ التَّبْيِيتُ مُمْكِنًا، فَالنِّيَّةُ وَجَبَتْ وَقْتَ تَجَدُّدِ الْوُجُوبِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَإِلَّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. قَالُوا: وَعَلَى هَذَا إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَجْزَأَ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ، وَأَصْلُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ شَيْخِنَا، وَهِيَ كَمَا تَرَاهَا أَصَحُّ الطُّرُقِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى مُوَافَقَةِ أُصُولِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ، وَعَلَيْهَا تَدُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>