للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ هُمُومِ الْقَلْبِ وَخَطَرَاتِهِ، فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ بَدَلَهَا، وَيَصِيرُ الْهَمُّ كُلُّهُ بِهِ، وَالْخَطَرَاتُ كُلُّهَا بِذِكْرِهِ، وَالتَّفَكُّرُ فِي تَحْصِيلِ مَرَاضِيهِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ فَيَصِيرُ أُنْسُهُ بِاللَّهِ بَدَلًا عَنْ أُنْسِهِ بِالْخَلْقِ، فَيَعُدُّهُ بِذَلِكَ لِأُنْسِهِ بِهِ يَوْمَ الْوَحْشَةِ فِي الْقُبُورِ حِينَ لَا أَنِيسَ لَهُ، وَلَا مَا يَفْرَحُ بِهِ سِوَاهُ، فَهَذَا مَقْصُودُ الِاعْتِكَافِ الْأَعْظَمِ.

وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَقْصُودُ إِنَّمَا يَتِمُّ مَعَ الصَّوْمِ، شُرِعَ الِاعْتِكَافُ فِي أَفْضَلِ أَيَّامِ الصَّوْمِ وَهُوَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اعْتَكَفَ مُفْطِرًا قَطُّ، بَلْ قَدْ قَالَتْ عائشة: ( «لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ» ) .

وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الِاعْتِكَافَ إِلَّا مَعَ الصَّوْمِ، وَلَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَعَ الصَّوْمِ.

فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ: أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُرَجِّحُهُ شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية.

وَأَمَّا الْكَلَامُ، فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلْأُمَّةِ حَبْسُ اللِّسَانِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ.

وَأَمَّا فُضُولُ الْمَنَامِ، فَإِنَّهُ شُرِعَ لَهُمْ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا هُوَ مِنْ أَفْضَلِ السَّهَرِ وَأَحْمَدِهِ عَاقِبَةً، وَهُوَ السَّهَرُ الْمُتَوَسِّطُ الَّذِي يَنْفَعُ الْقَلْبَ وَالْبَدَنَ، وَلَا يَعُوقُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْعَبْدِ، وَمَدَارُ رِيَاضَةِ أَرْبَابِ الرِّيَاضَاتِ وَالسُّلُوكِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>