خُرُوجُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَمْ يَكُنْ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِسِتِّ لَيَالٍ بَقِينَ، وَلِهَذَا اضْطُرَّ إِلَى أَنْ يُؤَوَّلَ الْخُرُوجَ الْمُقَيَّدَ بِالتَّارِيخِ الْمَذْكُورِ بِخَمْسٍ عَلَى الِانْدِفَاعِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ لَهُ إِلَى ذَلِكَ، إِذْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ شَهْرُ ذِي الْقَعْدَةِ كَانَ نَاقِصًا، فَوَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْ تَارِيخِ الْخُرُوجِ بِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَادِ مِنَ الشَّهْرِ، وَهَذِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ وَالنَّاسِ فِي تَوَارِيخِهِمْ، أَنْ يُؤَرِّخُوا بِمَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ بِنَاءً عَلَى كَمَالِهِ، ثُمَّ يَقَعُ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَظُهُورِ نَقْصِهِ كَذَلِكَ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ عَلَيْهِمُ التَّارِيخُ فَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: يَوْمَ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ كُتِبَ لِخَمْسٍ بَقِينَ، وَيَكُونُ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْبَاقِيَ كَانَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ بِلَا شَكٍّ بِيَوْمِ الْخُرُوجِ، وَالْعَرَبُ إِذَا اجْتَمَعَتِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ فِي التَّارِيخِ غَلَّبَتْ لَفْظَ اللَّيَالِي لِأَنَّهَا أَوَّلُ الشَّهْرِ، وَهِيَ أَسْبَقُ مِنَ الْيَوْمِ، فَتَذْكُرُ اللَّيَالِيَ وَمُرَادُهَا الْأَيَّامُ، فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لِخَمْسٍ بَقِينَ بِاعْتِبَارِ الْأَيَّامِ، وَيُذَكَّرُ لَفْظُ الْعَدَدِ بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي، فَصَحَّ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ لِخَمْسٍ بَقِينَ وَلَا يَكُونُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ كعب فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ قَطُّ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ خُرُوجِهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَقَيَّدُ فِي خُرُوجِهِ إِلَى الْغَزَوَاتِ بِيَوْمِ الْخَمِيسِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَوْ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ، لَكَانَ خَارِجًا لِأَرْبَعٍ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لَا بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي، وَلَا بِاعْتِبَارِ الْأَيَّامِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ اللَّيْلَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ مِنْ يَوْمِ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ خُرُوجِهِ يَوْمَ السَّبْتِ أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ سَفَرِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَدَخَلَ مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَبَيْنَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَدُخُولِهِ مَكَّةَ تِسْعَةُ أَيَّامٍ، وَهَذَا غَيْرُ مُشْكِلٍ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ الطَّرِيقَ الَّتِي سَلَكَهَا إِلَى مَكَّةَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَبَيْنَهَا هَذَا الْمِقْدَارُ، وَسَيْرُ الْعَرَبِ أَسْرَعُ مِنْ سَيْرِ الْحَضَرِ بِكَثِيرٍ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ الْمَحَامِلِ وَالْكَجَّاوَاتِ وَالزَّوَامِلِ الثِّقَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute