وَهَذَا جابر يَقُولُ: ( «أَفْرَدَ الْحَجَّ» ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
قِيلَ: إِنْ كَانَتِ الْأَحَادِيثُ عَنْ هَؤُلَاءِ تَعَارَضَتْ وَتَسَاقَطَتْ، فَإِنَّ أَحَادِيثَ الْبَاقِينَ لَمْ تَتَعَارَضْ، فَهَبْ أَنَّ أَحَادِيثَ مَنْ ذَكَرْتُمْ لَا حُجَّةَ فِيهَا عَلَى الْقِرَانِ، وَلَا عَلَى الْإِفْرَادِ لِتَعَارُضِهَا، فَمَا الْمُوجِبُ لِلْعُدُولِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَاقِينَ مَعَ صَرَاحَتِهَا وَصِحَّتِهَا؟ فَكَيْفَ وَأَحَادِيثُهُمْ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا، وَإِنَّمَا ظَنَّ مَنْ ظَنَّ التَّعَارُضَ لِعَدَمِ إِحَاطَتِهِ بِمُرَادِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ، وَحَمْلِهَا عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ بَعْدَهُمْ.
وَرَأَيْتُ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فَصْلًا حَسَنًا فِي اتِّفَاقِ أَحَادِيثِهِمْ نَسُوقُهُ بِلَفْظِهِ، قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ مُتَّفِقَةٌ لَيْسَتْ بِمُخْتَلِفَةٍ إِلَّا اخْتِلَافًا يَسِيرًا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ ثَبَتَ عَنْهُمْ أَنَّهُ تَمَتَّعَ، وَالتَّمَتُّعُ عِنْدَهُمْ يَتَنَاوَلُ الْقِرَانَ، وَالَّذِينَ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُ أَفْرَدَ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُ تَمَتَّعَ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: «اجْتَمَعَ علي وعثمان بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عثمان يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ أَوِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْهَى عَنْهُ؟ فَقَالَ عثمان: (دَعْنَا مِنْكَ) فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ. فَلَمَّا رَأَى علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا» . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَهُمْ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَافَقَهُ عثمان عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ لَكِنْ كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا، هَلْ ذَلِكَ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّنَا أَمْ لَا؟ وَهَلْ شُرِعَ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ فِي حَقِّنَا كَمَا تَنَازَعَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ؟ فَقَدِ اتَّفَقَ علي وعثمان عَلَى أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَالْمُرَادُ بِالتَّمَتُّعِ عِنْدَهُمُ الْقِرَانُ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ مطرف قَالَ: قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ» ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ( «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute