رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ يَكْفِيهِ سَعْيٌ وَاحِدٌ كَالْقَارِنِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْعَ سَعْيًا ثَانِيًا عَقِيبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلَا يَتَوَجَّهُ الْإِلْزَامُ، وَلَهَا وَجْهٌ قَوِيٌّ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ مسلم فِي " صَحِيحِهِ "، عَنْ جابر قَالَ: «لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا» . طَوَافَهُ الْأَوَّلَ هَذَا، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانُوا مُتَمَتِّعِينَ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: حَلَفَ طَاوُوسٌ: مَا طَافَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا.
قِيلَ: الَّذِينَ نَظَرُوا أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا تَمَتُّعًا خَاصًّا، لَا يَقُولُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ، بَلْ يُوجِبُونَ عَلَيْهِ سَعْيَيْنِ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَسْعَ إِلَّا سَعْيًا وَاحِدًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَرَنَ، وَقَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَا قَصَّرَ، وَلَا حَلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وَمُرَادُهُ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي قَضَى بِهِ حَجَّهُ وَعُمْرَتَهُ: الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِلَا رَيْبٍ.
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ عطاء ونافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وجابر: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا طَافَ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعَى سَعْيًا وَاحِدًا، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ، فَلَمْ يَسْعَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الصَّدَرِ» . فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ، وَلَا بُدَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَارِنًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute