للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ سَعْيَيْنِ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ، وَإِمَّا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَكْفِيهِ سَعْيٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي بَيَانِ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهَا. .

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى شعبة، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ مطرف عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ( «طَافَ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ» ) . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابن صاعد: حَدَّثَنَا محمد بن يحيى الأزدي، حَدَّثَنَا عبد الله بن داود، عَنْ شعبة. قِيلَ: هَذَا خَبَرٌ مَعْلُولٌ وَهُوَ غَلَطٌ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُقَالُ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى حَدَّثَ بِهَذَا مِنْ حِفْظِهِ، فَوَهِمَ فِي مَتْنِهِ، وَالصَّوَابُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَلَطٌ.

وَأَظُنُّ أَنَّ الشَّيْخَ أبا محمد بن قدامة، إِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَمَتِّعًا، لِأَنَّهُ رَأَى الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَانِ، وَرَأَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَكُنْ لِيَخْتَارَ لِرَسُولِهِ إِلَّا الْأَفْضَلَ، وَرَأَى الْأَحَادِيثَ قَدْ جَاءَتْ بِأَنَّهُ تَمَتَّعَ، وَرَأَى أَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ، فَأَخَذَ مِنْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ الْأَرْبَعِ أَنَّهُ تَمَتَّعَ تَمَتُّعًا خَاصًّا لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ أحمد لَمْ يُرَجِّحِ التَّمَتُّعَ؛ لِكَوْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ مُتَمَتِّعًا، كَيْفَ وَهُوَ الْقَائِلُ: لَا أَشُكُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَارِنًا، وَإِنَّمَا اخْتَارَ التَّمَتُّعَ لِكَوْنِهِ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الصَّحَابَةَ أَنْ يَفْسَخُوا حَجَّهُمْ إِلَيْهِ وَتَأَسَّفَ عَلَى فَوْتِهِ.

وَلَكِنْ نَقَلَ عَنْهُ المروزي، أَنَّهُ إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ، فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ، فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ جَعَلَ هَذَا رِوَايَةً ثَانِيَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ إِنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَسُقْ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ شَيْخِنَا، وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>