الَّتِي تَلِيقُ بِأُصُولِ أحمد، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَمَنَّ أَنَّهُ كَانَ جَعَلَهَا عُمْرَةً مَعَ سَوْقِهِ الْهَدْيَ، بَلْ وَدَّ أَنَّهُ كَانَ جَعَلَهَا عُمْرَةً وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَفْضَلُ، أَنْ يَسُوقَ وَيُقْرِنَ، أَوْ يَتْرُكَ السَّوْقَ وَيَتَمَتَّعَ كَمَا وَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَهُ.
قِيلَ: قَدْ تَعَارَضَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمْرَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ وَسَاقَ الْهَدْيَ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيَخْتَارَ لَهُ إِلَّا أَفْضَلَ الْأُمُورِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَهُ الْوَحْيُ بِهِ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى، وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالثَّانِي قَوْلُهُ: ( «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» ) . فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْوَقْتُ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ هُوَ وَقْتَ إِحْرَامِهِ، لَكَانَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، لِأَنَّ الَّذِي اسْتَدْبَرَهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ، وَمَضَى فَصَارَ خَلْفَهُ، وَالَّذِي اسْتَقْبَلَهُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدُ، بَلْ هُوَ أَمَامَهُ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَقْبِلًا لَمَا اسْتَدْبَرَهُ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ دُونَ هَدْيٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَخْتَارُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنِ الْأَفْضَلِ إِلَى الْمَفْضُولِ، بَلْ إِنَّمَا يَخْتَارُ الْأَفْضَلَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ تَرْجِيحُ التَّمَتُّعِ.
وَلِمَنْ رَجَّحَ الْقِرَانَ مَعَ السَّوْقِ أَنْ يَقُولَ: هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ هَذَا؛ لِأَجْلِ أَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ مَفْضُولٌ مَرْجُوحٌ، بَلْ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ شَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ مَعَ بَقَائِهِ هُوَ مُحْرِمًا، وَكَانَ يَخْتَارُ مُوَافَقَتَهُمْ لِيَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مَعَ انْشِرَاحٍ وَقَبُولٍ وَمَحَبَّةٍ، وَقَدْ يَنْتَقِلُ عَنِ الْأَفْضَلِ إِلَى الْمَفْضُولِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُوَافَقَةِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ، كَمَا (قَالَ لعائشة: «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ» ) ، فَهَذَا تَرْكُ مَا هُوَ الْأَوْلَى لِأَجْلِ الْمُوَافَقَةِ وَالتَّأْلِيفِ، فَصَارَ هَذَا هُوَ الْأَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute