فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَكَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ لِلْمُتْعَةِ بِلَا هَدْيٍ. وَفِي هَذَا جَمَعَ بَيْنَ مَا فَعَلَهُ وَبَيْنَ مَا وَدَّهُ وَتَمَنَّاهُ، وَيَكُونُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ لَهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: بِفِعْلِهِ لَهُ، وَالثَّانِي: بِتَمَنِّيهِ وَوُدِّهِ لَهُ، فَأَعْطَاهُ أَجْرَ مَا فَعَلَهُ، وَأَجْرَ مَا نَوَاهُ مِنَ الْمُوَافَقَةِ وَتَمَنَّاهُ، وَكَيْفَ يَكُونُ نُسُكٌ يَتَخَلَّلُهُ التَّحَلُّلُ وَلَمْ يَسُقْ فِيهِ الْهَدْيَ أَفْضَلَ مِنْ نُسُكٍ لَمْ يَتَخَلَّلْهُ تَحَلُّلٌ، وَقَدْ سَاقَ فِيهِ مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَكَيْفَ يَكُونُ نُسُكٌ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ مِنْ نُسُكٍ اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهُ، وَأَتَاهُ بِهِ الْوَحْيُ مِنْ رَبِّهِ.
فَإِنْ قِيلَ: التَّمَتُّعُ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ تَحَلُّلٌ، لَكِنْ قَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ الْإِحْرَامُ، وَإِنْشَاؤُهُ عِبَادَةٌ مَحْبُوبَةٌ لِلرَّبِّ، وَالْقِرَانُ لَا يَتَكَرَّرُ فِيهِ الْإِحْرَامُ؟
قِيلَ: فِي تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ بِسَوْقِ الْهَدْيِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ مَا لَيْسَ فِي مُجَرَّدِ تَكَرُّرِ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ إِنَّ اسْتِدَامَتَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ تَكَرُّرِهِ، وَسَوْقُ الْهَدْيِ لَا مُقَابِلَ لَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّمَا أَفْضَلُ، إِفْرَادٌ يَأْتِي عَقِيبَهُ بِالْعُمْرَةِ، أَوْ تَمَتُّعٌ يَحِلُّ مِنْهُ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ عَقِيبَهُ؟
قِيلَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَظُنَّ أَنَّ نُسُكًا قَطُّ أَفْضَلُ مِنَ النُّسُكِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ لِأَفْضَلِ الْخَلْقِ، وَسَادَاتِ الْأُمَّةِ، وَأَنْ نَقُولَ فِي نُسُكٍ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ، بَلْ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ: إِنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّا فَعَلُوهُ بِأَمْرِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَجٌّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَفْضَلَ مِنَ الْحَجِّ الَّذِي حَجَّهُ النَّبِيُّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأُمِرَ بِهِ أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَاخْتَارَهُ لَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِفَسْخِ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَنْسَاكِ إِلَيْهِ، وَوَدَّ أَنَّهُ كَانَ فَعَلَهُ لَا حَجَّ قَطُّ أَكْمَلُ مِنْ هَذَا. وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ عَنْهُ الْأَمْرُ لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ بِالْقِرَانِ، وَلِمَنْ لَمْ يَسُقْ بِالتَّمَتُّعِ، فَفِي جَوَازِ خِلَافِهِ نَظَرٌ، وَلَا يُوحِشْكَ قِلَّةُ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْبَحْرَ الَّذِي لَا يُنْزَفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَالسُّنَّةُ هِيَ الْحَكَمُ بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute