الْحَدِيثِ: ( «كُونِي فِي عُمْرَتِكِ، فَعَسَى أَنَّ اللَّهَ يَرْزُقُكِيهَا» ) ، وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا قَوْلَهُ: " دَعِي عُمْرَتَكِ ". فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ رَفْضَهَا وَتَرْكَهَا، لَمَا قَالَ لَهَا: ( «يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» ) ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ دَعِي أَعْمَالَهَا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ رَفْضَ إِحْرَامِهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ( «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي» ) ، فَهَذَا مِمَّا أَعْضَلَ عَلَى النَّاسِ، وَلَهُمْ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَسَالِكَ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى رَفْضِ الْعُمْرَةِ كَمَا قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ.
الْمَسْلَكُ الثَّانِي: إِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَمْشُطَ رَأْسَهُ، وَلَا دَلِيلَ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا تَحْرِيمِهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ.
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: تَعْلِيلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَرَدُّهَا بِأَنَّ عروة انْفَرَدَ بِهَا، وَخَالَفَ بِهَا سَائِرَ الرُّوَاةِ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَهَا طَاوُوسٌ والقاسم والأسود وَغَيْرُهُمْ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ. قَالُوا: وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة حَدِيثَ حَيْضِهَا فِي الْحَجِّ، فَقَالَ فِيهِ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: ( «دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي» ) ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. .. قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عروة لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ عائشة.
الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ " دَعِي الْعُمْرَةَ "، أَيْ دَعِيهَا، بِحَالِهَا لَا تَخْرُجِي مِنْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَهَا، قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: ( «يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» ) .
الثَّانِي: قَوْلُهُ: " كُونِي فِي عُمْرَتِكِ ". قَالُوا: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى رَفْضِهَا لِسَلَامَتِهِ مِنَ التَّنَاقُضِ. قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُهُ: " هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ فعائشة أَحَبَّتْ أَنْ تَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ، فَأَخْبَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ طَوَافَهَا وَقَعَ عَنْ حَجَّتِهَا وَعُمْرَتِهَا، وَأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute