الثَّانِي: أَنَّ النُّسُكَ الَّذِي كَانَ قَدِ الْتَزَمَهُ أَوَّلًا، أَكْمَلُ مِنَ النُّسُكِ الَّذِي فَسَخَ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ الْأَوَّلُ إِلَى جُبْرَانٍ، وَالَّذِي يُفْسَخُ إِلَيْهِ، يَحْتَاجُ إِلَى هَدْيٍ جُبْرَانًا لَهُ، وَنُسُكٌ لَا جُبْرَانَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ نُسُكٍ مَجْبُورٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجُزْ إِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، فَلِأَنْ لَا يَجُوزَ إِبْدَالُهَا بِهِ وَفَسْخُهُ إِلَيْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.
فَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ، مُجْمَلٍ وَمُفَصَّلٍ.
أَمَّا الْمُجْمَلُ: فَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ اعْتِرَاضَاتٌ عَلَى مُجَرَّدِ السُّنَّةِ، وَالْجَوَابُ عَنْهَا بِالْتِزَامِ تَقْدِيمِ الْوَحْيِ عَلَى الْآرَاءِ، وَأَنَّ كُلَّ رَأْيٍ يُخَالِفُ السُّنَّةَ فَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَبَيَانُ بُطْلَانِهِ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ لَهُ، وَالْآرَاءُ تَبَعٌ لِلسُّنَّةِ، وَلَيْسَتِ السُّنَّةُ تَبَعًا لِلْآرَاءِ.
وَأَمَّا الْمُفَصَّلُ: وَهُوَ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَإِنَّا الْتَزَمْنَا أَنَّ الْفَسْخَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْوَفَاءِ بِهَذَا الِالْتِزَامِ، وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ جَوَابُهُ: بِأَنَّ التَّمَتُّعَ - وَإِنْ تَخَلَّلَهُ التَّحَلُّلُ - فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ الَّذِي لَا حِلَّ فِيهِ، لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْإِحْرَامِ بِهِ، وَلِأَمْرِهِ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَيْهِ، وَلِتَمَنِّيهِ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ النُّسُكُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِهِ، بَلْ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، غَضِبَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ إِلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَتَوَقَّفُوا، وَلِأَنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ قَطْعًا أَنْ تَكُونَ حَجَّةٌ قَطُّ أَفْضَلَ مِنْ حَجَّةِ خَيْرِ الْقُرُونِ وَأَفْضَلِ الْعَالَمِينَ مَعَ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ أَمَرَهُمْ كُلَّهُمْ بِأَنْ يَجْعَلُوهَا مُتْعَةً إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ هَذَا الْحَجِّ أَفْضَلَ مِنْهُ، إِلَّا حَجَّ مَنْ قَرَنَ وَسَاقَ الْهَدْيَ، كَمَا اخْتَارَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيِّهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ وَاخْتَارَ لِأَصْحَابِهِ التَّمَتُّعَ، فَأَيُّ حَجٍّ أَفْضَلُ مِنْ هَذَيْنِ. وَلِأَنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَنْقُلَهُمْ مِنَ النُّسُكِ الْفَاضِلِ إِلَى الْمَفْضُولِ الْمَرْجُوحِ، وَلِوُجُوهٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute