للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا، فَرُجْحَانُ هَذَا النُّسُكِ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ الَّذِي يَفُوتُهُ بِالْفَسْخِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا بُطْلَانُ الْوَجْهِ الثَّانِي.

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ نُسُكٌ مَجْبُورٌ بِالْهَدْيِ، فَكَلَامٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْهَدْيَ فِي التَّمَتُّعِ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ النُّسُكِ، وَهُوَ دَمُ شُكْرَانٍ لَا دَمَ جُبْرَانٍ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَةِ لِلْمُقِيمِ، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ عِبَادَةِ هَذَا الْيَوْمِ، فَالنُّسُكُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الدَّمِ بِمَنْزِلَةِ الْعِيدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأُضْحِيَةِ، فَإِنَّهُ مَا تُقُرِّبَ إِلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِمِثْلِ إِرَاقَةِ دَمٍ سَائِلٍ.

وَقَدْ رَوَى الترمذي وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: " الْعَجُّ وَالثَّجُّ» . وَالْعَجُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: إِرَاقَةُ دَمِ الْهَدْيِ. فَإِنْ قِيلَ: يُمْكِنُ الْمُفْرِدُ أَنْ يُحَصِّلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ. قِيلَ: مَشْرُوعِيُّتُهَا إِنَّمَا جَاءَتْ فِي حَقِّ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ اسْتِحْبَابِهَا فِي حَقِّهِ، فَأَيْنَ ثَوَابُهَا مِنْ ثَوَابِ هَدْيِ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ؟

الْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ لَوْ كَانَ دَمَ جُبْرَانٍ، لَمَا جَازَ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ هَدْيِهِ، فَإِنَّهُ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>