فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا. وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ سُبْعَ بَدَنَةٍ، فَإِنَّهُ أَكَلَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مِنَ الْمِائَةِ، وَالْوَاجِبُ فِيهَا مُشَاعٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِقِسْمَةٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": «أَنَّهُ أَطْعَمَ نِسَاءَهُ مِنَ الْهَدْيِ الَّذِي ذَبَحَهُ عَنْهُنَّ وَكُنَّ مُتَمَتِّعَاتٍ» ، احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، «أَنَّهُ أَهْدَى عَنْ نِسَائِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِنَّ مِنَ الْهَدْيِ الَّذِي ذَبَحَهُ عَنْهُنَّ» . وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ فِيمَا يُذْبَحُ بِمِنًى مِنَ الْهَدْيِ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨] [الْحَجِّ: ٢٨] وَهَذَا يَتَنَاوَلُ هَدْيَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ قَطْعًا إِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ، فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ هُنَاكَ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ.
وَمِنْ هَاهُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّهِ بِالْأَكْلِ لِيَعُمَّ بِهِ جَمِيعَ هَدْيِهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ سَبَبَ الْجُبْرَانِ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ، فَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إِلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنَّهُ إِمَّا تَرْكُ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلُ مَحْظُورٍ، وَالتَّمَتُّعُ مَأْمُورٌ بِهِ، إِمَّا أَمْرَ إِيجَابٍ عِنْدَ طَائِفَةٍ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، فَلَوْ كَانَ دَمُهُ دَمَ جُبْرَانٍ، لَمْ يَجُزِ الْإِقْدَامُ عَلَى سَبَبِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ إِنَّهُ دَمُ جُبْرَانٍ، وَعُلِمَ أَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَهَذَا وَسَّعَ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَبَاحَ لَهُمْ بِسَبَبِهِ التَّحَلُّلَ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ لِمَا فِي اسْتِمْرَارِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَشَقَّةِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَبِمَنْزِلَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَكَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَدْيِ أَصْحَابِهِ فِعْلُ هَذَا وَهَذَا، " «وَاللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» ". فَمَحَبَّتُهُ لِأَخْذِ الْعَبْدِ بِمَا يَسَّرَهُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute