الْحُكْمُ الْعَاشِرُ: أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ، وَالْمَرَاتِبُ فِيهِ ثَلَاثٌ: مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَجَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَالْأَوَّلُ: كُلُّ مُتَّصِلٍ مُلَامِسٍ يُرَادُ لِسِتْرِ الرَّأْسِ، كَالْعِمَامَةِ، وَالْقُبَعَةِ، وَالطَّاقِيَّةِ، وَالْخُوذَةِ وَغَيْرِهَا.
وَالثَّانِي: كَالْخَيْمَةِ، وَالْبَيْتِ وَالشَّجَرَةِ، وَنَحْوِهَا، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِنَمِرَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، إِلَّا أَنَّ مالكا مَنَعَ الْمُحْرِمَ أَنْ يَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى شَجَرَةٍ؛ لِيَسْتَظِلَّ بِهِ، وَخَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَمَنَعَ أَصْحَابُهُ الْمُحْرِمَ أَنْ يَمْشِيَ فِي ظِلِّ الْمَحْمِلِ.
وَالثَّالِثُ: كَالْمَحْمِلِ، وَالْمَحَارَةِ، وَالْهَوْدَجِ، فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وأبي حنيفة - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ. فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى، وَهُوَ مَذْهَبُ مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّالِثُ: الْمَنْعُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَالثَّلَاثَةُ رِوَايَاتٌ عَنْ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
الْحُكْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ: مَنْعُ الْمُحْرِمِ مِنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وأحمد فِي رِوَايَةٍ إِبَاحَتُهُ وَمَذْهَبُ مالك، وأبي حنيفة، وأحمد فِي رِوَايَةٍ الْمَنْعُ، مِنْهُ وَبِإِبَاحَتِهِ قَالَ سِتَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عثمان، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، والزبير، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ شَاذٌّ: إِنْ كَانَ حَيَّا، فَلَهُ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، لَمْ يَجُزْ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ، قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِظَاهِرِيَّتِهِ.
وَاحْتَجَّ الْمُبِيحُونَ بِأَقْوَالِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ، وَبِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَبِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: " «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» " وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِ: " «وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ» " بِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ فِيهِ. قَالَ شعبة: حَدَّثَنِيهِ أبو بشر، ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، فَجَاءَ بِالْحَدِيثِ كَمَا كَانَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا وَجْهَهُ» " قَالُوا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute