صَاحِبُ " الْمُفِيدِ ": إِنَّ الطِّيبَ يَتَّصِلُ بِهِ فَيَصِيرُ تَبَعًا لَهُ؛ لِيَدْفَعَ بِهِ أَذَى التَّعَبِ بَعْدَ إِحْرَامِهِ، فَيَصِيرُ كَالسَّحُورِ فِي حَقِّ الصَّائِمِ، يَدْفَعُ بِهِ أَذَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ فِي الصَّوْمِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ بَائِنٌ عَنْهُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ، هَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ اسْتِدَامَتِهِ كَمَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ ابْتِدَائِهِ أَوْ يَجُوزُ لَهُ اسْتِدَامَتُهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: جَوَازُ اسْتِدَامَتِهِ اتِّبَاعًا لِمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَتَطَيَّبُ قَبْلَ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ يُرَى وَبِيصُ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِهِ بَعْدَ إِحْرَامِهِ، وَفِي لَفْظٍ "وَهُوَ يُلَبِّي" وَفِي لَفْظٍ " بَعْدَ ثَلَاثٍ ". وَكُلُّ هَذَا يَدْفَعُ التَّأْوِيلَ الْبَاطِلَ الَّذِي تَأَوَّلَهُ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَلَمَّا اغْتَسَلَ ذَهَبَ أَثَرُهُ. وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ تَطَيَّبَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، ثُمَّ يُرَى، وَبِيصُ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ، وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ» ، وَلِلَّهِ مَا يَصْنَعُ التَّقْلِيدُ، وَنُصْرَةُ الْآرَاءِ بِأَصْحَابِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مُخْتَصَّا بِهِ، وَيَرُدُّ هَذَا أَمْرَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَعْوَى الِاخْتِصَاصِ لَا تُسْمَعُ إِلَّا بِدَلِيلٍ.
وَالثَّانِي: مَا رَوَاهُ أبو داود، عَنْ عائشة، ( «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا، سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْهَانَا» ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute