طِيبًا، مَعَ شَهَادَتِهِ لَهُ أَنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنَ الطِّيبِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " «لَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ» ".
وَأَمَرَ الَّذِي أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِالْخَلُوقِ، أَنْ تُنْزَعَ عَنْهُ الْجُبَّةُ، وَيُغْسَلَ عَنْهُ أَثَرُ الْخَلُوقِ. فَعَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ مَدَارُ مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنَ الطِّيبِ. وَأَصْرَحُهَا: هَذِهِ الْقِصَّةُ، فَإِنَّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ نَوْعٍ خَاصٍّ مِنَ الطِّيبِ لَا سِيَّمَا الْخَلُوقُ، فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْهُ عَامٌّ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ.
وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى أَنْ يَقْرَبَ طِيبًا، أَوْ يُمَسَّ بِهِ تَنَاوَلَ ذَلِكَ الرَّأْسَ وَالْبَدَنَ وَالثِّيَابَ وَأَمَّا شَمُّهُ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ فَإِنَّمَا حَرَّمَهُ مَنْ حَرَّمَهُ بِالْقِيَاسِ، وَإِلَّا فَلَفْظُ النَّهْيِ لَا يَتَنَاوَلُهُ بِصَرِيحِهِ وَلَا إِجْمَاعَ مَعْلُومَ فِيهِ، يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ تَحْرِيمُهُ مِنْ بَابِ تَحْرِيمِ الْوَسَائِلِ، فَإِنَّ شَمَّهُ يَدْعُو إِلَى مُلَامَسَتِهِ فِي الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ، كَمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَمَا حَرُمَ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ، أَوِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، كَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إِلَى الْأَمَةِ الْمُسْتَامَةِ، وَالْمَخْطُوبَةِ، وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهَا، أَوْ يُعَامِلُهَا، أَوْ يَطِبُّهَا.
وَعَلَى هَذَا، فَإِنَّمَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ قَصْدِ شَمِّ الطِّيبِ لِلتَّرَفُّهِ، وَاللَّذَّةِ، فَأَمَّا إِذَا وَصَلَتِ الرَّائِحَةُ إِلَى أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ، أَوْ شَمَّهُ قَصْدًا لِاسْتِعْلَامِهِ عِنْدَ شِرَائِهِ، لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَدُّ أَنْفِهِ، فَالْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الْفَجْأَةِ، وَالثَّانِي: بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الْمُسْتَامِ وَالْخَاطِبِ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا، أَنَّ الَّذِينَ أَبَاحُوا لِلْمُحْرِمِ اسْتِدَامَةَ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِإِبَاحَةِ تَعَمُّدِ شَمِّهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُ أبي حنيفة فَقَالُوا: فِي"جَوَامِعِ الْفِقْهِ" لأبي يوسف: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَشُمَّ طِيبًا تَطَيَّبَ بِهِ قَبْلَ إِحْرَامِهِ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute