للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْسَكَ وَأَمَرَ عليا أَنْ يَنْحَرَ مَا غَبَرَ مِنَ الْمِائَةِ، ثُمَّ أَمَرَ عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجِلَالِهَا وَلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا فِي الْمَسَاكِينِ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُعْطِيَ الْجَزَّارَ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا مِنْهَا، وَقَالَ نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا، وَقَالَ: " مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ".

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَبَاتَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَجَعَلَ يُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ، فَلَمَّا عَلَا عَلَى الْبَيْدَاءِ، لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا، وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا، وَضَحَّى بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ» ".

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ.

قَالَ أبو محمد ابن حزم: مَخْرَجُ حَدِيثِ أنس عَلَى أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْحَرْ بِيَدِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ بُدْنٍ، كَمَا قَالَ أنس، وَأَنَّهُ أَمَرَ مَنْ يَنْحَرُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى تَمَامِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، ثُمَّ زَالَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَأَمَرَ عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَحَرَ مَا بَقِيَ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أنس لَمْ يُشَاهِدْ إِلَّا نَحْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعًا فَقَطْ بِيَدِهِ، وَشَاهَدَ جابر تَمَامَ نَحْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْبَاقِي، فَأَخْبَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا رَأَى وَشَاهَدَ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ بِيَدِهِ مُنْفَرِدًا سَبْعَ بُدْنٍ كَمَا قَالَ أنس، ثُمَّ أَخَذَ هُوَ وعلي الْحَرْبَةَ مَعًا، فَنَحَرَا كَذَلِكَ تَمَامَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، كَمَا قَالَ غرفة بن الحارث الكندي

<<  <  ج: ص:  >  >>