وَبِمَا فِيهِ مِنَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلدَّعْوَةِ، وَتَأَمَّلْ أَسْمَاءَ السِّتَّةِ الْمُتَبَارِزِينَ يَوْمَ بَدْرٍ كَيْفَ اقْتَضَى الْقَدَرُ مُطَابَقَةَ أَسْمَائِهِمْ لِأَحْوَالِهِمْ يَوْمَئِذٍ، فَكَانَ الْكُفَّارُ شيبة وعتبة والوليد، ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ مِنَ الضَّعْفِ، فالوليد لَهُ بِدَايَةُ الضَّعْفِ، وشيبة لَهُ نِهَايَةُ الضَّعْفِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: ٥٤] [الرُّومِ: ٥٤] ، وعتبة مِنَ الْعَتَبِ، فَدَلَّتْ أَسَمَاؤُهُمْ عَلَى عَتَبٍ يَحِلُّ بِهِمْ، وَضَعْفٍ يَنَالُهُمْ، وَكَانَ أَقْرَانُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ علي، وعبيدة، والحارث رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ تُنَاسِبُ أَوْصَافَهُمْ وَهِيَ الْعُلُوُّ، وَالْعُبُودِيَّةُ، وَالسَّعْيُ الَّذِي هُوَ الْحَرْثُ، فَعَلَوْا عَلَيْهِمْ بِعُبُودِيَّتِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فِي حَرْثِ الْآخِرَةِ.
وَلَمَّا كَانَ الِاسْمُ مُقْتَضِيًا لِمُسَمَّاهُ وَمُؤَثِّرًا فِيهِ كَانَ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ مَا اقْتَضَى أَحَبَّ الْأَوْصَافِ إِلَيْهِ كَعَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ إِضَافَةُ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى اسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ الرَّحْمَنِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ إِضَافَتِهَا إِلَى غَيْرِهِمَا، كَالْقَاهِرِ وَالْقَادِرِ، فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ عَبْدِ الْقَادِرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ عَبْدِ رَبِّهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ التَّعَلُّقَ الَّذِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ الْعُبُودِيَّةُ الْمَحْضَةُ، وَالتَّعَلُّقُ الَّذِي بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ بِالرَّحْمَةِ الْمَحْضَةِ، فَبِرَحْمَتِهِ كَانَ وُجُودُهُ وَكَمَالُ وُجُودِهِ، وَالْغَايَةُ الَّتِي أَوْجَدَهُ لِأَجْلِهَا أَنْ يَتَأَلَّهَ لَهُ وَحْدَهُ مَحَبَّةً وَخَوْفًا، وَرَجَاءً وَإِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا، فَيَكُونُ عَبْدًا لِلَّهِ، وَقَدْ عَبَدَهُ لِمَا فِي اسْمِ اللَّهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ، وَلَمَّا غَلَبَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ وَكَانَتِ الرَّحْمَةُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْغَضَبِ، كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ.
فَصْلٌ
وَلَمَّا كَانَ كُلُّ عَبْدٍ مُتَحَرِّكًا بِالْإِرَادَةِ، وَالْهَمُّ مَبْدَأُ الْإِرَادَةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى إِرَادَتِهِ حَرَكَتُهُ، وَكَسْبُهُ، كَانَ أَصْدَقَ الْأَسْمَاءِ اسْمُ هَمَّامٍ وَاسْمُ حَارِثٍ؛ إِذْ لَا يَنْفَكُّ مُسَمَّاهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute