للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْقَلْبِ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ أَمْرًا مَاضِيًا، فَهُوَ يُحْدِثُ الْحَزَنَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوَقُّعُ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَهُوَ يُحْدِثُ الْهَمَّ، وَكِلَاهُمَا مِنَ الْعَجْزِ، فَإِنَّ مَا مَضَى لَا يُدْفَعُ بِالْحُزْنِ؛ بَلْ بِالرِّضَى، وَالْحَمْدِ وَالصَّبْرِ وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ، وَقَوْلِ الْعَبْدِ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ.

وَمَا يُسْتَقْبَلُ لَا يُدْفَعُ أَيْضًا بِالْهَمِّ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ، فَلَا يَعْجِزُ عَنْهُ، وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ، فَلَا يَجْزَعُ مِنْهُ، وَيَلْبَسُ لَهُ لِبَاسَهُ، وَيَأْخُذُ لَهُ عُدَّتَهُ، وَيَتَأَهَّبُ لَهُ أُهْبَتَهُ اللَّائِقَةَ بِهِ، وَيَسْتَجِنُّ بِجُنَّةٍ حَصِينَةٍ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَكُّلِ، وَالِانْطِرَاحِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَالِاسْتِسْلَامِ لَهُ وَالرِّضَى بِهِ رَبًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَرْضَى بِهِ رَبًّا فِيمَا يُحِبُّ دُونَ مَا يَكْرَهُ، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا، لَمْ يَرْضَ بِهِ رَبًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَرْضَاهُ الرَّبُّ لَهُ عَبْدًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَالْهَمُّ وَالْحَزَنُ لَا يَنْفَعَانِ الْعَبْدَ الْبَتَّةَ، بَلْ مَضَرَّتُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَتِهِمَا، فَإِنَّهُمَا يُضْعِفَانِ الْعَزْمَ، وَيُوهِنَانِ الْقَلْبَ، وَيَحُولَانِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الِاجْتِهَادِ، فِيمَا يَنْفَعُهُ وَيَقْطَعَانِ عَلَيْهِ طَرِيقَ السَّيْرِ، أَوْ يُنَكِّسَانِهِ إِلَى وَرَاءٍ، أَوْ يَعُوقَانِهِ وَيَقِفَانِهِ، أَوْ يَحْجُبَانِهِ عَنِ الْعِلْمِ الَّذِي كُلَّمَا رَآهُ شَمَّرَ إِلَيْهِ، وَجَدَّ فِي سَيْرِهِ، فَهُمَا حِمْلٌ ثَقِيلٌ عَلَى ظَهْرِ السَّائِرِ، بَلْ إِنْ عَاقَهُ الْهَمُّ وَالْحَزَنُ عَنْ شَهَوَاتِهِ وَإِرَادَاتِهِ الَّتِي تَضُرُّهُ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ انْتَفَعَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ

وَهَذَا مِنْ حِكْمَةِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، أَنْ سَلَّطَ هَذَيْنِ الْجُنْدَيْنِ عَلَى الْقُلُوبِ الْمُعْرِضَةِ عَنْهُ، الْفَارِغَةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>