وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالْأُنْسِ بِهِ، وَالْفِرَارِ إِلَيْهِ، وَالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ؛ لِيَرُدَّهَا بِمَا يَبْتَلِيهَا بِهِ مِنَ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ، وَالْأَحْزَانِ وَالْآلَامِ الْقَلْبِيَّةِ، عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مَعَاصِيهَا وَشَهَوَاتِهَا الْمُرْدِيَةِ، وَهَذِهِ الْقُلُوبُ فِي سِجْنٍ مِنَ الْجَحِيمِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْخَيْرُ، كَانَ حَظُّهَا مِنْ سِجْنِ الْجَحِيمِ فِي مَعَادِهَا، وَلَا تَزَالُ فِي هَذَا السِّجْنِ حَتَّى تَتَخَلَّصَ إِلَى فَضَاءِ التَّوْحِيدِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ، وَالْأُنْسِ بِهِ
وَجَعْلِ مَحَبَّتِهِ فِي مَحِلِّ دَبِيبِ خَوَاطِرِ الْقَلْبِ وَوَسَاوِسِهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ ذِكْرُهُ تَعَالَى وَحُبُّهُ، وَخَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ، وَالْفَرَحُ بِهِ وَالِابْتِهَاجُ بِذِكْرِهِ، هُوَ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْقَلْبِ، الْغَالِبُ عَلَيْهِ، الَّذِي مَتَى فَقَدَهُ فَقَدَ قُوتَهُ، الَّذِي لَا قِوَامَ لَهُ إِلَّا بِهِ، وَلَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى خَلَاصِ الْقَلْبِ مِنْ هَذِهِ الْآلَامِ، الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ أَمْرَاضِهِ، وَأَفْسَدُهَا لَهُ، إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا بَلَاغَ إِلَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُوصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا هُوَ، وَلَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا هُوَ، وَلَا يَصْرِفُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا هُوَ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ، وَإِذَا أَرَادَ عَبْدَهُ لِأَمْرٍ، هَيَّأَهُ لَهُ، فَمِنْهُ الْإِيجَادُ، وَمِنْهُ الْإِعْدَامُ، وَمِنْهُ الْإِمْدَادُ، وَإِذَا أَقَامَهُ فِي مَقَامِ، أَيِّ مَقَامٍ كَانَ، فَبِحَمْدِهِ أَقَامَهُ فِيهِ، وَبِحِكْمَتِهِ أَقَامَهُ فِيهِ، وَلَا يَلِيقُ بِهِ غَيْرُهُ، وَلَا يَصْلُحُ لَهُ سِوَاهُ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَلَا يَمْنَعُ عَبْدَهُ حَقًّا هُوَ لِلْعَبْدِ، فَيَكُونُ بِمَنْعِهِ ظَالِمًا لَهُ؛ بَلْ إِنَّمَا مَنَعَهُ لِيَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِمَحَابِّهِ لِيَعْبُدَهُ، وَلِيَتَضَرَّعَ إِلَيْهِ، وَيَتَذَلَّلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَتَمَلَّقَهُ، وَيُعْطِي فَقْرُهُ إِلَيْهِ حَقَّهُ، بِحَيْثُ يَشْهَدُ فِي كُلِّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِهِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، فَاقَةً تَامَّةً إِلَيْهِ، عَلَى تَعَاقُبِ الْأَنْفَاسِ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهُ الْعَبْدُ، فَلَمْ يَمْنَعِ الرَّبُّ عَبْدَهُ مَا الْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، بُخْلًا مِنْهُ، وَلَا نَقْصًا مِنْ خَزَائِنِهِ، وَلَا اسْتِئْثَارًا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ؛ بَلْ مَنَعَهُ لِيَرُدَّهُ إِلَيْهِ، وَلِيُعِزَّهُ بِالتَّذَلُّلِ لَهُ، وَلِيُغْنِيَهُ بِالِافْتِقَارِ إِلَيْهِ، وَلِيَجْبُرَهُ بِالِانْكِسَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلِيُذِيقَهُ بِمَرَارَةِ الْمَنْعِ حَلَاوَةَ الْخُضُوعِ لَهُ، وَلَذَّةَ الْفَقْرِ إِلَيْهِ، وَلِيُلْبِسَهُ خِلْعَةَ الْعُبُودِيَّةِ، وَيُوَلِّيهِ بِعَزْلِهِ أَشْرَفَ الْوِلَايَاتِ، وَلِيُشْهِدَهُ حِكْمَتَهُ فِي قُدْرَتِهِ وَرَحْمَتَهُ فِي عِزَّتِهِ، وَبِرَّهُ وَلُطْفَهُ فِي قَهْرِهِ.
وَأَنَّ مَنْعَهُ عَطَاءٌ، وَعَزْلَهُ تَوْلِيَةٌ، وَعُقُوبَتَهُ تَأْدِيبٌ، وَامْتِحَانَهُ مَحَبَّةٌ وَعَطِيَّةٌ، وَتَسْلِيطَ أَعْدَائِهِ عَلَيْهِ سَائِقٌ يَسُوقُهُ بِهِ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute