تَرْكُ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ، وَسَخَطُهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ» ) .
فَتَأَمَّلْ كَيْفَ وَقَعَ الْمَقْدُورُ مُكْتَنِفًا بِأَمْرَيْنِ: التَّوَكُّلِ الَّذِي هُوَ مَضْمُونُ الِاسْتِخَارَةِ قَبْلَهُ، وَالرِّضَى بِمَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ بَعْدَهُ، وَهُمَا عِنْوَانُ السَّعَادَةِ. وَعِنْوَانُ الشَّقَاءِ أَنْ يَكْتَنِفَهُ تَرْكُ التَّوَكُّلِ وَالِاسْتِخَارَةِ قَبْلَهُ، وَالسَّخَطُ بَعْدَهُ، وَالتَّوَكُّلُ قَبْلَ الْقَضَاءِ. فَإِذَا أُبْرِمَ الْقَضَاءُ وَتَمَّ، انْتَقَلَتِ الْعُبُودِيَّةُ إِلَى الرِّضَى بَعْدَهُ، كَمَا فِي " الْمُسْنَدِ "، وَزَادَ النَّسَائِيُّ فِي الدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ: ( «وَأَسْأَلُكَ الرِّضَى بَعْدَ الْقَضَاءِ» ) . وَهَذَا أَبْلَغُ مِنَ الرِّضَى بِالْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَزْمًا فَإِذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ، تَنْحَلُّ الْعَزِيمَةُ، فَإِذَا حَصَلَ الرِّضَى بَعْدَ الْقَضَاءِ، كَانَ حَالًا أَوْ مَقَامًا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الِاسْتِخَارَةَ تَوَكُّلٌ عَلَى اللَّهِ وَتَفْوِيضٌ إِلَيْهِ وَاسْتِقْسَامٌ بِقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ، وَحُسْنُ اخْتِيَارِهِ لِعَبْدِهِ، وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ الرِّضَى بِهِ رَبًّا، الَّذِي لَا يَذُوقُ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَإِنْ رَضِيَ بِالْمَقْدُورِ بَعْدَهَا، فَذَلِكَ عَلَامَةُ سَعَادَتِهِ.
وَذَكَرَ البيهقي وَغَيْرُهُ عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا قَطُّ إِلَّا قَالَ حِينَ يَنْهَضُ مِنْ جُلُوسِهِ: (اللَّهُمَّ بِكَ انْتَشَرْتُ، وَإِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي، وَأَنْتَ رَجَائِي، اللَّهُمَّ اكْفِنِي مَا أَهَمَّنِي وَمَا لَا أَهْتَمُّ لَهُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ زَوِّدْنِي التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَجِّهْنِي لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ) ، ثُمَّ يَخْرَجُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute