رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ قَرَأَ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الشورى: ١٣] » ) [الشُّورَى: ١٣] .
وَكَانَ لِلَّهِ فِي جَعْلِ الْقِبْلَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ تَحْوِيلِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ حِكَمٌ عَظِيمَةٌ، وَمِحْنَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ.
فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَقَالُوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧] [آلِ عِمْرَانَ: ٧] وَهُمُ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، وَلَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا: كَمَا رَجَعَ إِلَى قِبْلَتِنَا، يُوشِكُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دِينِنَا، وَمَا رَجَعَ إِلَيْهَا إِلَّا أَنَّهُ الْحَقُّ.
وَأَمَّا اليهود فَقَالُوا: خَالَفَ قِبْلَةَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا لَكَانَ يُصَلِّي إِلَى قِبْلَةِ الْأَنْبِيَاءِ.
وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَقَالُوا: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، إِنْ كَانَتِ الْأُولَى حَقًّا فَقَدْ تَرَكَهَا، وَإِنْ كَانَتِ الثَّانِيَةُ هِيَ الْحَقَّ فَقَدْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ، وَكَثُرَتْ أَقَاوِيلُ السُّفَهَاءِ مِنَ النَّاسِ، وَكَانَتْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: ١٤٣] [الْبَقَرَةِ: ١٤٣] وَكَانَتْ مِحْنَةً مِنَ اللَّهِ امْتَحَنَ بِهَا عِبَادَهُ لِيَرَى مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِنْهُمْ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ.
وَلَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقِبْلَةِ وَشَأْنُهَا عَظِيمًا، وَطَّأَ - سُبْحَانَهُ - قَبْلَهَا أَمْرَ النَّسْخِ وَقُدْرَتَهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنَ الْمَنْسُوخِ أَوْ مِثْلِهِ، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِالتَّوْبِيخِ لِمَنْ تَعَنَّتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْقَدْ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَشَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، وَحَذَّرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ وَاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ كُفْرَهُمْ وَشِرْكَهُمْ بِهِ، وَقَوْلَهُمْ: إِنَّ لَهُ وَلَدًا، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ لَهُ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ، وَأَيْنَمَا يُوَلِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute