عِبَادُهُ وُجُوهَهُمْ فَثَمَّ وَجْهُهُ، وَهُوَ الْوَاسِعُ الْعَلِيمُ، فَلِعَظَمَتِهِ وَسِعَتِهِ وَإِحَاطَتِهِ أَيْنَمَا يُوَجِّهُ الْعَبْدُ، فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ رَسُولَهُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ الَّذِينَ لَا يُتَابِعُونَهُ وَلَا يُصَدِّقُونَهُ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَنْ يَرْضَوْا عَنْهُ حَتَّى يَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ، وَأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَمَا لَهُ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ، ثُمَّ ذَكَّرَ أَهْلَ الْكِتَابِ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَخَوَّفَهُمْ مِنْ بَأْسِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ خَلِيلَهُ بَانِيَ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَدَحَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَهُ إِمَامًا لِلنَّاسِ يَأْتَمُّ بِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ وَبِنَاءَ خَلِيلِهِ لَهُ، وَفِي ضِمْنِ هَذَا أَنَّ بَانِيَ الْبَيْتِ كَمَا هُوَ إِمَامٌ لِلنَّاسِ فَكَذَلِكَ الْبَيْتُ الَّذِي بَنَاهُ إِمَامٌ لَهُمْ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ هَذَا الْإِمَامِ إِلَّا أَسْفَهُ النَّاسِ، ثُمَّ أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَأْتَمُّوا بِرَسُولِهِ الْخَاتَمِ، وَيُؤْمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِ وَإِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى، وَجَعَلَ هَذَا كُلَّهُ تَوْطِئَةً وَمُقَدِّمَةً بَيْنَ يَدَيْ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَقَدْ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ إِلَّا مَنْ هَدَى اللَّهُ مِنْهُمْ، وَأَكَّدَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْأَمْرَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، وَأَمَرَ بِهِ رَسُولَهُ حَيْثُمَا كَانَ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجَ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ هُوَ الَّذِي هَدَاهُمْ إِلَى هَذِهِ الْقِبْلَةِ، وَأَنَّهَا هِيَ الْقِبْلَةُ الَّتِي تَلِيقُ بِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُهَا لِأَنَّهَا أَوْسَطُ الْقِبَلِ وَأَفْضَلُهَا، وَهُمْ أَوْسَطُ الْأُمَمِ وَخِيَارُهُمْ، فَاخْتَارَ أَفْضَلَ الْقِبَلِ لِأَفْضَلِ الْأُمَمِ، كَمَا اخْتَارَ لَهُمْ أَفْضَلَ الرُّسُلِ وَأَفْضَلَ الْكُتُبِ، وَأَخْرَجَهُمْ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ، وَخَصَّهُمْ بِأَفْضَلِ الشَّرَائِعِ، وَمَنَحَهُمْ خَيْرَ الْأَخْلَاقِ، وَأَسْكَنَهُمْ خَيْرَ الْأَرْضِ، وَجَعَلَ مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرَ الْمَنَازِلِ، وَمَوْقِفَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ خَيْرَ الْمَوَاقِفِ، فَهُمْ عَلَى تَلٍّ عَالٍ وَالنَّاسُ تَحْتَهُمْ، فَسُبْحَانَ مَنْ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ، وَلَكِنِ الظَّالِمُونَ الْبَاغُونَ يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الْحُجَجِ الَّتِي ذُكِرَتْ، وَلَا يُعَارِضُ الْمُلْحِدُونَ الرُّسُلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute