للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لك في بادئ الأمر وظاهره بدون تأمل ولا فكر! ولا نظر في عواقب الأمور وبواطنها يدعونا إلى مخالفتك وعدم اتباعك. أنفوا أن يكونوا مثل هؤلاء الفقراء وطلبوا من نوح أن يطردهم حتى لا يجتمعوا معهم في دين فأبى وخاف من الله.

وقالوا: ما نرى لكم، أى: أنت ومن معك من عامة الناس، ما نرى لكم علينا من فضل في علم أو رأى أو جاه أو قوة يحملنا على اتباعكم والنزول عن جاهنا وشرفنا ونكون معكم في سلك واحد لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ [سورة الأحقاف الآية ١١] .

بل الأمر أكثر من هذا وأشد وهو أننا نظنكم من الكاذبين المفترين، ونرجح أنك- في دعواك النبوة لتكون متبوعا- كاذب، وأنهم في تصديقهم لك واتباعهم رأيك- كاذبون. فأنتم جميعا متآمرون على قلب الوضع ونظام الحكم عندنا.

كيف ناقشهم نوح- عليه السلام- ورد عليهم شبهاتهم:

قال نوح يا قومي الأعزاء أخبرونى ماذا أفعل! إن كنت على حجة من ربي ظاهرة فيما جئتكم به، تبين لي بها أنه الحق من عنده لا من عندي إذ ليست النبوة من كسب البشر حتى يستقيم لكم ادعاؤكم أنى بشر مثلكم فكيف أكون نبيا مرسلا، يا قوم: الله أعلم حيث يجعل رسالته، وقد أرسلنى لكم وآتاني رحمة من عنده خاصة بي فوق رحمته العامة للناس جميعا، ولكنها عمّيت عليكم بالجبر والإلجاء! لا. إنه لا إكراه في الدين أبدا من قديم الزمان، وهذا رد على شبهتهم ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا.

ويا قوم لا أسألكم على دعائي لكم مالا ولا أجرا. ولست أطلب ملكا ولا جاها حتى تخشوا منى، وتنفقوا على، ما أجرى إلا على الله وحده، وهكذا كل رسول.

انظر إلى قول الله على لسان محمد صلّى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [سورة الشورى آية ٢٣] .

وماذا أفعل فيمن تسمونهم الأراذل؟!! وما أنا بطارد الذين آمنوا أبدا سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، لاحتقاركم لهم فأنتم تحتقرونهم لفقرهم وضعفهم، وأنا أجلهم وأكرمهم لأنهم آمنوا واعتزوا بالله وبرسوله، ويظهر أن هذه عادة مجرمى الكفار والأشرار من الناس قديما وحديثا اقرأ معى قوله تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [سورة الأنعام الآية ٥٢] فهذا نهى للنبي صلّى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>