وبالله لقد يسرنا القرآن وسهلناه بأن أنزلناه بلسان عربي مبين، وملأناه بالحكم والمواعظ والقصص التي تفيد العبرة، فعلنا ذلك للذكر والاتعاظ فهل من مدكر؟!! وقيل المعنى: سهلنا القرآن للحفظ فهل من طالب للحفظ فيعان عليه؟ والمعنى الأول هو الأنسب بالمقام.
وهذه قصة عاد: لقد كذبت رسولها هودا فانظر كيف كان عذابي وإنذارى بهم؟! إنا أرسلنا «١» عليهم ريحا صرصرا عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما لا خير فيها أبدا، وكان هلاكهم في يوم نحس وشؤم عليهم، يوم مستمر حتى أهلكهم، ولا شك أنه يوم مرّ كريه، وهذه الريح كانت تنزع الواحد منهم وتقلعه إذا دخل حفرة أو كهفا في جبل كأنهم والحالة هذه أعجاز نخل منقطع عن مغارسه ساقط على الأرض.
فانظر كيف كان عذابي للكفار المكذبين وإنذارى؟! ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر! وتلك قصة ثمود: لقد كذبت بالرسل جميعا إذ تكذيب صالح- وهو واحد منهم- تكذيب للكل، كذبت ثمود بالنذر، فقالوا منكرين رسالة نبيهم صالح: أبشرا منا واحدا منفردا لا تابع معه. وليس من الأشراف نتبعه؟! إن اتبعناه لنكونن في ضلال وجنون.
عجبا لهذا الرجل! أألقي عليه الذكر، وأنزل عليه الوحى من بيننا؟ وفينا من هو أحق منه لغناه وعلو شرفه وكثرة أتباعه! ليس الأمر كما يدعى صالح. بل هو كذاب شديد البطر كثير الفرح والمرح يتعاظم علينا بهذه الدعوة، والله سبحانه يرد عليهم بقوله لصالح: سيعلمون غدا- وإن غدا لناظره قريب- من هو الكذاب الأشر.
وكانوا قد طلبوا من صالح آية لهم، وأراد الله إبرازها فتنة لهم، فأخرج الناقة من الهضبة إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ إنا مخرجوها لهم فتنة وابتلاء وآية فانتظر يا صالح واصبر على أذى قومك، فقد قرب اليوم الموعود ونبئهم أن الماء قسمة بينهم، أى:
(١) جملة استئنافية لبيان ما أجمل أولا في قوله: كيف كان عذابي ونذر.