المراد: ساق أمثلة عجيبة غريبة كغرابة المثل رَمِيمٌ من رم العظم: إذا بلى بَلى: حرف جواب كنعم: إلا أنه يختص بالاستفهام الإنكارى الذي هو بمعنى النفي أَمْرُهُ: شأنه في الإيجاد مَلَكُوتُ: هو الملك التام.
[المعنى:]
هذا كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث وإثباته بالدليل القاطع، بعد بيان بطلان إشراكهم بالله بالأدلة المشاهدة، ألم «١» يتفكر الإنسان ولم يعلم أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم بين الخصومة؟ ألم يعلموا خلقه تعالى لأسباب معايشهم ولم يعلموا خلقه تعالى لأنفسهم مع كون العلم بذلك في غاية الظهور والوضوح، ورجوع الإنسان بنفسه إلى مبدأ خلقه، وإلى نشأته الأولى، وأنه خلق من ماء مهين من نطفة قذرة تخرج من مجرى البول، ومع ذلك يفاجئ بالخصومة والجدل للخالق الكبير المتعال، إن هذا لشيء عجيب تنكره العقول السليمة.
وقوله تعالى:(فإذا هو خصيم مبين) داخل في حيز الإنكار والتعجب كأنه قيل: أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من أخس الأشياء وأحقرها ففاجأنا بالخصومة في أمر يشهد بصحة مبدأ خلقه شهادة بينة.
وروى أن بعض المشركين كأبى بن خلف والعاص بن وائل السهمي ذهبوا يجادلون النبي صلّى الله عليه وسلّم ومعهم عظام بالية قد رمت فقال أحدهم: يا محمد أترى أن الله يحيى هذا بعد ما رم؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«نعم ويبعثك الله ويدخلك النّار»
ونزلت هذه الآية وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ أى: ونسى خلقنا إياه من نطفة من منى يمنى ثم صار ذا عقل وتفكير وإرادة.
عجبا لهذا الإنسان وإنكارا لقوله وضربه الأمثال، أى: إتيانه بقصة غريبة عجيبة تشبه في غرابتها المثل، وهي قوله: من يحيى العظام وهي رميم؟ أتعجب؟ قل لهم يا محمد: يحييها الذي أنشأها أول مرة فمن قدر على الإيجاد الأول من العدم قادر بلا شك على الإعادة بل هو أهون عليه، ولله المثل الأعلى، وهو بكل شيء عليم.
(١) الهمزة للإنكار مع إفادة التعجب، والواو للعطف على مقدر ذكرناه في الشرح.