ولم يكن لهم مأوى فكانوا يأكلون عند النبي صلّى الله عليه وسلّم وعند غيره ثم يبيتون في المسجد تحت جزء مسقوف يقال له الصّفّة، وقد كان عملهم الجهاد وحفظ القرآن الكريم والخروج مع السرايا التي يرسلها النبي صلّى الله عليه وسلّم وهكذا من يشاكلهم ممن حبس نفسه على الجهاد في سبيل الله، فالجنود وطلبة العلم بشرط أن لا يمكنهم الكسب ممن يدخل تحت هذا.
[الصفة الثانية:]
لا يستطيعون سفرا ولا سيرا في الأرض للتجارة والكسب وذلك بأن يكونوا ممنوعين لعجز أو كبر أو ضرورة.
[الصفة الثالثة:]
يحسبهم الذي يجهل حالهم أغنياء من عفتهم وصبرهم وقناعتهم فعندهم عزة المؤمنين وتوكل المتوكلين.
[الصفة الرابعة:]
تعرفهم بسيماهم وعلامتهم، فعلامتهم الضمور والنحول والضعف ورثاثة الثياب، وفي الواقع هذا متروك لفراسة المؤمن، فرب فقير له مظهر وغنّى رث الثياب لحوف في السؤال.
[الصفة الخامسة:]
لا يسألون الناس أصلا، أو لا يسألون الناس ملحين وملحفين، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، اقرءوا إن شئتم قوله- تعالى-: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً والسؤال في الإسلام محرم إلا لضرورة،
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:«المسألة لا تحل إلا لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع»«١» .
وما تنفقوا من خير قل أو كثر فإن الله به عليم ومجاز عليه.
ويشير القرآن الكريم في آخر آية في الإنفاق إلى عموم الأحوال والأزمنة في الصدقة فبين أن الذين يتصدقون بأموالهم ليلا أو نهارا، سرّا أو علانية هؤلاء لهم الأجر الكامل عند ربهم الذي ربّاهم وتعهدهم في بطون الأرحام، ولا خوف عليهم أصلا في الدنيا ولا في الآخرة ولا هم يحزنون أبدا، وهكذا كل من سار بسيرة القرآن واهتدى بهديه أولئك هم المفلحون.
(١) أخرجه البخاري كتاب التفسير باب [لا يسألون الناس إلحافا] حديث رقم ٤٥٣٩.